وكذلك حديث وائل المذكور ههنا بأن الخصومة فيه بين الكندي والحضرمي وهما المذكوران في حديث الأشعث المتقدم ، فلعل الرواية لقصة الكندي والحضرمي من طريق الأشعث ومن طريق وائل وأما المخاصمة بين الأشعث وغريمه فقصة أخرى رواها الأشعث والله أعلم . قوله : ( في بئر ) في رواية أبي داود " في أرض " ولا امتناع أن يكون المجموع صحيحا ، فتارة ذكرت الأرض لأن البئر داخلة فيها ، وتارة ذكرت البئر لأنها المقصودة . قوله : ( يقتطع بها مال امرئ مسلم ) التقييد بالمسلم ليس لإخراج غير المسلم ، بل كأن تخصيص المسلمين بالذكر لكون الخطاب معهم . ويحتمل أن تكون العقوبة العظيمة مختصة بالمسلمين وإن كان أصل العقوبة لازما في حق الكفار
قوله : ( لقي الله وهو عليه غضبان ) هذا وعيد شديد لأن غضب الله سبب لانتقامه وانتقامه بالنار ، فالغضب منه عز وجل يستلزم دخول المغضوب عليه النار ، ولهذا وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=35858من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار } ولا بد من تقييد ذلك بعدم التوبة ، وسيأتي بقية الكلام على هذا في باب [ ص: 349 ] التشديد في اليمين الكاذبة . قوله : ( ليس يتورع من شيء ) أصل الورع الكف عن الحرام ، والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي فيعم ويكون التقدير ليس له ورع عن شيء . قوله : ( ليس لك منه إلا ذلك ) في هذا دليل على أنه لا يجب للغريم على غريمه اليمين المردودة ، ولا يلزمه التكفيل ولا يحل الحكم عليه بالملازمة ولا بالحبس ولكنه قد ورد ما يخصص هذه الأمور من عموم هذا النفي وقد تقدم بعض ذلك ولنذكر ههنا ما ورد في جواز الحبس لمن استحقه ، فأخرج أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم عن أبيه عن جده { nindex.php?page=hadith&LINKID=17788أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة } . قال الترمذي : حسن ، وزاد هو nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي { nindex.php?page=hadith&LINKID=17789ثم خلى عنه } وقد تقدم الكلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، ولكنه قد روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وقال : صحيح الإسناد وله شاهد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ثم أخرجه ، ولعله ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12847ابن القاص بسنده عن nindex.php?page=showalam&ids=16560عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة { nindex.php?page=hadith&LINKID=17788أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة يوما وليلة } استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف
وحكى أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك أنه قال في تفسير الحديث : يحل عرضه : أي يغلظ عليه وعقوبته يحبس له . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي { nindex.php?page=hadith&LINKID=6557أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه ، فحبسه النبي صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له } وفيه انقطاع . وقد روي من طريق أخرى عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود مرفوعا . وقد بوب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على ذلك في صحيحه فقال في الأبواب التي قبل كتاب اللقطة ما لفظه : باب الربط والحبس في الحرم . قال في الفتح : كأنه أشار بهذا التبويب إلى رد ما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول : لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة . وأورد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الرد عليه أن نافع بن عبد الحارث اشترى دارا للسجن بمكة وكان nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عاملا nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر على مكة
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة في كتاب مكة عن محمد بن يحيى بن غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي كان عاملا nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر على مكة فابتاع دار السجن من صفوان فذكر نحو ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وزاد في آخره : وهو الذي يقال له : سجن عارم بمهملتين . قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وسجن nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير بمكة انتهى
[ ص: 350 ] والحاصل أن الحبس وقع في زمن النبوة وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن في جميع الأعصار والأمصار من دون إنكار .
وفيه من المصالح ما لا يخفى ، لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون في الإضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجد حدا ولا قصاصا حتى يقام عليهم فيراح منهم العباد والبلاد ، فهؤلاء إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين بلغوا من الإضرار بهم إلى كل غاية وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها فلم يبق إلا حفظهم في السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره ، وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والقيام بهما في حق من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس
وقد استدل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري مسجده الشريف كما في القصة المشهورة في الصحيح