قوله : ( على خمس ) في بعض الروايات خمسة بالهاء وكلاهما صحيح ، فالمراد برواية الهاء خمسة أركان أو أشياء أو نحو ذلك ، وبرواية حذف الهاء خمس خصال أو دعائم أو قواعد أو نحو ذلك . قوله : ( شهادة ) بالجر على البدل ويجوز رفعه خبرا لمبتدأ محذوف وتقديره أحدها أو منها . قوله : ( وإقام الصلاة ) أي المداومة عليها . والحديث يدل على أن كمال الإسلام وتمامه بهذه الخمس ، فهو كخباء أقيم على خمسة أعمدة ، وقطبها الذي يدور عليه الأركان الشهادة وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء . فظهر من هذا التمثيل أن الإسلام غير الأركان كما في البيت غير الأعمدة والأعمدة غيره ، وهذا مستقيم على مذهب أهل السنة ; لأن الإسلام عندهم التصديق بالقول والعمل . والحديث أورده nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر في جواب من قال له ألا تغزو ؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ ص: 354 ] بني الإسلام " الحديث . فاستدل به على خمس ليس هو منها . قال النووي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : اعلم أن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع أركانه .
قال ابن بطال وغيره في بيان وجه الدلالة : ألا ترى أنه - عز وجل - نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب ، وتعقبه ابن المنير فقال : هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح ، وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة ، لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ ، وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا ، قال : وهذه نكتة مبتكرة . قال الحافظ في الفتح : قلت إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع ، وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم ، ولكن قد يقال : ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل ، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم .
قالوا : ويدل على أنه رخصة قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20705صدقة تصدق الله بها عليكم } وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول [ ص: 355 ] nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة غير مرفوع ، وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره . قال الحافظ : وفي هذا الجواب نظر ، أما أولا : فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع ، وأما ثانيا : فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة ; لأنه يحتمل أن يكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك . وأما قول إمام الحرمين : لو كان ثابتا لنقل متواترا ففيه نظر ; لأن التواتر في مثل هذا غير لازم . وقالوا أيضا : يعارض حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة هذا حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24148فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين } أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة . ويؤيد ذلك ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في شرح المسند : إن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها .
وقيل : كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي ، وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه . وقيل : بعد الهجرة بأربعين يوما ، فعلى هذا : المراد بقول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : ( فأقرت صلاة السفر ) أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف . nindex.php?page=showalam&ids=13028والمصنف ساق الحديث للاستدلال به على فرضية الصلاة لا أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة ، ولعله يأتي تحقيق ما هو الحق في باب صلاة السفر - إن شاء الله تعالى - .
قوله : ( إلا أن تطوع ) بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما . قوله : ( والذي أكرمك ) وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " والله " . قوله ( : أفلح إن صدق ) وقع عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر " أفلح وأبيه إن صدق ، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق " ولأبي داود مثله . فإن قيل : ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء ؟ .
أجيب عن ذلك بأنه كان قبل النهي ، أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف ، أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال : ورب أبيه ، أو أنه خاص ويحتاج إلى دليل . وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال : هو تصحيف وإنما كان والله فقصرت اللامان ، واستنكره nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي ، وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ ( وأبيه ) لم تصح ، وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه . قال الحافظ : وأقوى الأجوبة الأولان . والحديث يدل على فرضية الصلاة وما ذكر معها على العباد .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه الله: وفيه مستدل لمن لم يوجب صلاة الوتر ولا صلاة العيد انتهى .
وقد أوجب قوم الوتر ، وآخرون ركعتي الفجر ، وآخرون صلاة الضحى ، وآخرون صلاة العيد ، وآخرون ركعتي المغرب ، وآخرون صلاة التحية ، ومنهم من لم يوجب شيئا من ذلك وجعل هذا الحديث صارفا لما ورد بعده من الأدلة المشعرة بالوجوب .
وفي الحديث أيضا دليل على عدم وجوب صوم عاشوراء وهو إجماع ، وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة وفيه غير ذلك .
وفي جعل هذا الحديث دليلا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي ; لأن ما وقع في مبادئ التعليم لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة ، وإنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة ، فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردا صحيحا ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما ، وفي المسألة خلاف ، وهذا أرجح القولين ، والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه ويطيل التدبر ، فإن معرفة الحق فيه من أهم المطالب العلمية لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنه العد .
وقد أعان الله وله الحمد على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث ، وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث في غير هذا الباب وهذا موضع عرض ذكرها فيه . .