الحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر ، ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة ، وإن كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس ، فقد اختلف الناس في ذلك ، فذهبت العترة والجماهير من السلف والخلف ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق ، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ، ولكنه يقتل بالسيف .
واحتج أهل القول الثاني بأحاديث الباب . واحتج أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول ، وعلى عدم القتل بحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31391لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث } وليس فيه الصلاة . والحق أنه كافر يقتل ، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق [ ص: 362 ] هذا الاسم عليه هو الصلاة ، فتركها مقتض لجواز الإطلاق ، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون ; لأنا نقول : لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرا ، فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها وأما أنه يقتل فلأن حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=2080أمرت أن أقاتل الناس } يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له ، وكذلك سائر الأدلة المذكورة في الباب الأول ، ولا أوضح من دلالتها على المطلوب ، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فقال : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ، فلا يخلى من لم يقم الصلاة .
وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=16468بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } ومن الأحاديث الدالة على الكفر حديث nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=36012من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا } ذكره الحافظ في التلخيص . وقال : سئل nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عنه فقال : رواه أبو النضر عن أبي جعفر عن nindex.php?page=showalam&ids=14356الربيع موصولا وخالفه nindex.php?page=showalam&ids=16598علي بن الجعدي فرواه عن أبي جعفر عن nindex.php?page=showalam&ids=14356الربيع مرسلا وهو أشبه بالصواب . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء بدون قوله ( جهارا ) وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الضعفاء من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=16597تارك الصلاة كافر } واستنكره . ورواه أبو نعيم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ، وفيه nindex.php?page=showalam&ids=16574عطية وإسماعيل بن يحيى وهما ضعيفان . قال العراقي : لم يصح من أحاديث الباب إلا حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر المذكور ، وحديث بريدة الذي سيأتي . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=8778أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا تشرك بالله وإن قطعت وحرقت ، وأن لا تترك صلاة مكتوبة متعمدا ، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر } قال الحافظ : وفي إسناده ضعف . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من طريق أخرى وفيه انقطاع . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل وإسنادهما ضعيفان . وقال ابن الصلاح والنووي : إنه حديث منكر . واختلف القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة ، فالجمهور أنه يضرب عنقه بالسيف [ ص: 363 ] وقيل : يضرب بالخشب حتى يموت . واختلفوا أيضا في وجوب الاستتابة ، فالهادوية توجبها وغيرهم لا يوجبها فإنه يقتل حدا ، ولا تسقط التوبة الحدود كالزاني والسارق .
وقيل : إنه يقتل لكفره ، فقد حكى جماعة الإجماع على كفره كالمرتد وهو الظاهر وقد أطال الكلام المحقق ابن القيم ذلك في كتابه في الصلاة . والفرق بينه وبين الزاني واضح ، فإن هذا يقتل لتركه الصلاة في الماضي وإصراره على تركها في المستقبل ، والترك في الماضي يتدارك بقضاء ما تركه بخلاف الزاني فإنه يقتل بجناية تقدمت لا سبيل إلى تركها واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر ، فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة ، والأحاديث قاضية بذلك ، والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال : لا أصلي حتى خرج وقتها وجب قتله ، وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو غسل أو استقبال القبلة أو ستر عورة وكل ما كان ركنا وشرطا .
401 - ( وعن بريدة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14656العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر } رواه الخمسة ) . الحديث صححه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي العراقي ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، وهو يدل على أن تارك الصلاة يكفر ; لأن الترك الذي جعل الكفر معلقا به مطلق عن التقييد ، وهو يصدق بمرة لوجود ماهية الترك في ضمنها والخلاف في المسألة والتصريج بما هو الحق فيها قد تقدم في الذي قبله .
402 - ( وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا منخ الأعمال تركه كفر غير الصلاة رواه الترمذي ) . الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وصححه على شرطهما ، وذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عنه والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة ; لأن قوله : " كان أصحاب رسول الله " جمع مضاف ، وهو من المشعرات بذلك .
403 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=18940ذكر الصلاة يوما [ ص: 364 ] فقال : من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ) الحديث أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير والأوسط . وقال في مجمع الزوائد : رجال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ثقات ، وفيه أنه لا انتفاع للمصلي بصلاته إلا إذا كان محافظا عليها ; لأنه إذا انتفى كونها نورا وبرهانا ونجاة مع عدم المحافظة انتهى نفعها . قوله : ( وكان يوم القيامة مع قارون ) إلخ يدل على أن تركها كفر متبالغ ; لأن هؤلاء المذكورين هم أشد أهل النار عذابا ، وعلى تخليد تاركها في النار كتخليد من جعل منهم في العذاب ، فيكون هذا الحديث مع صلاحيته للاحتجاج مخصصا لأحاديث خروج الموحدين ، وقد ورد من هذا الجنس شيء كثير في السنة ويمكن أن يقال مجرد المعية والمصاحبة لا يدل على الاستمرار والتأبيد لصدق المعنى اللغوي بلبثه معهم مدة ، لكن لا يخفى أن مقام المبالغة يأبى ذلك وسيأتي في الباب الثاني ما يعارضه . .