تقريره صلى الله عليه وسلم لمن رآه في ذلك الوقت يدل على عدم كراهة الصلاة فيه ولا سيما والفاعل لذلك عدد كثير من الصحابة ، وفي المسألة مذهبان للسلف استحبهما جماعة من الصحابة والتابعين ، ومن المتأخرين nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق ، ولم يستحبهما الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم وآخرون من الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأكثر الفقهاء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : هما بدعة ، احتج من قال بالاستحباب بما في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة ، وبما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل : { nindex.php?page=hadith&LINKID=3491أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين } فقد ثبتتا عنه صلى الله عليه وسلم قولا كما سيأتي وفعلا وتقريرا ، واحتج من قال بالكراهة بحديث nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر الذي قد مر ذكره في باب وقت صلاة المغرب ، وهو يدل على شرعية تعجيلها ، وفعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب .
والحق أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصصة لعموم أدلة استحباب التعجيل ، قال النووي : وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة ولا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها . وأما من زعم النسخ فهو مجازف ; لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك انتهى . وهذا الاستحباب ما لم تقم الصلاة كسائر النوافل لحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9479إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة } .
[ ص: 11 ] واعلم أن التعليل للكراهة بتأدية الركعتين إلى تأخير المغرب مشعر بأنه لا خلاف في أنه يستحب لمن كان في المسجد في ذلك الوقت منتظرا لقيام الجماعة ، وكان فعله للركعتين لا يؤثر في التأخير كما يقع من الانتظار بعد الأذان للمؤذن حتى ينزل من المنارة ، ولا ريب أن ترك هذه السنة في ذلك الوقت الذي لا اشتغال فيه بصلاة المغرب ولا بشيء من شروطها مع عدم تأثير فعلها للتأخير من الاستحواذات الشيطانية التي لم ينج منها إلا القليل . قوله : ( شيء ) التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شيء كثير ، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل ، وبهذا يجمع بين هذه الرواية ورواية قليل .
وقال ابن المنير : يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا ، والإثبات للقليل على الحقيقة ، وقد طول الكلام في ذلك الحافظ في الفتح فليرجع إليه .
قوله : ( كراهية أن يتخذها الناس سنة ) قال المحب الطبري : لم يرد نفي استحبابها ; لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب بل هذا الحديث من أدل الأدلة على استحبابها . ومعنى قوله : " سنة " أي شريعة وطريقة لازمة وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض ، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب ، واستدركها بعضهم وتعقب أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها .
قوله : ( بين كل أذانين ) المراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا . والرواية الأولى من حديث الباب تدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها ، والرواية الأخرى بعمومها ، وقد عرفت الخلاف في ذلك .
قوله : ( من أبي تميم ) هو عبد الله بن مالك الجيشاني بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عده جماعة في الصحابة . قال الحافظ في الفتح : وفيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي : إنه لم يفعلهما أحد من الصحابة ; لأن أبا تميم تابعي وقد فعلهما . والحديث يدل على مشروعية صلاة الركعتين قبل المغرب وقد تقدم الكلام على ذلك .
قوله : ( على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هذه الصيغة فيها خلاف مذكور في الأصول وعلم الاصطلاح هل لها حكم الرفع وهل تشعر باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فليطلب من موضعه .