قوله : ( نساء المؤمنات ) صورته صورة إضافة الشيء إلى نفسه واختلف في تأويله وتقديره . فقيل : تقديره نساء الأنفس المؤمنات . وقيل : نساء الجماعات المؤمنات . وقيل : إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال : رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم . وقوله : ( كن ) قال الكرماني : وهو مثل أكلوني البراغيث ; لأن قياسه الإفراد وقد جمع .
قوله : ( متلفعات ) هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات . والمروط جمع مرط بكسر الميم الأكسية المعلمة من خز أو صوف أو غير ذلك
قوله : ( لا يعرفهن أحد ) قال الداودي : معناه ما يعرفن أنساء هن أم رجال . وقيل : لا يعرف أعيانهن قال النووي : وهذا ضعيف ; لأن المتلفعة في النهار أيضا لا يعرف عينها [ ص: 23 ] فلا يبقى في الكلام فائدة ، وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان ولو كان المراد الأول لعبر عنه بنفي العلم . قال الحافظ : وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر ; لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى . قال الباجي : وهذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متقنعات لكان المانع من المعرفة تغطيتهن لا التغليس .
قوله : ( من الغلس ) " من " ابتدائية أو تعليلية ولا معارضة بين هذا وبين حديث nindex.php?page=showalam&ids=88أبي برزة أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه ; لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد ، وذاك إخبار عن رؤية الجليس . والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أول الوقت . وقد اختلف العلماء في ذلك ، فذهبت العترة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16935وأبو جعفر الطبري وهو المروي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=14وابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة إلى أن التغليس أفضل وأن الإسفار غير مندوب . وحكى هذا القول الحازمي عن بقية الخلفاء الأربعة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=91وأبي مسعود الأنصاري وأهل الحجاز
واحتجوا بالأحاديث المذكورة في هذا الباب وغيرها ولتصريح أبي مسعود في الحديث الآتي بأنها كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الإسفار . وذهب الكوفيون nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي وأكثر العراقيين وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود إلى أن الإسفار أفضل .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبا للثواب ، فقيل لهم : صلوا بعد الفجر الثاني ، وأصبحوا بها ، فإنه أعظم لأجركم ، فإن قيل : لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر ، فالجواب أنهم يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاته لقوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=9554إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر } .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي : إنما يتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح مغلسا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرا ، وهذا خلاف قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ; لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس ، ولو قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد أسفروا ودخلوا في الإسفار جدا ، ألا ترى إلى nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه حين قرأ البقرة في ركعتي الصبح قيل له : كادت الشمس تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين [ ص: 24 ]
قال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات ، والزيادة من الثقة مقبولة ا هـ . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وهو صحيح الإسناد وقال ابن سيد الناس : إسناده حسن قوله : ( فأسفر بها ) قال في القاموس : سفر الصبح يسفر : أضاء وأشرق ا هـ . والغلس بقايا ظلام الليل وقد مر تفسيره . والحديث يدل على استحباب التغليس ، وأنه أفضل من الإسفار ولولا ذلك لما لازمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ، وبذلك احتج من قال باستحباب التغليس وقد مر ذكر الخلاف في ذلك وكيفية الجمع بين الأحاديث .
الحديث يدل أيضا على استحباب التغليس ، وأن أول وقت الصبح طلوع الفجر ; لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب ، والمدة التي بين الفراغ من السحر والدخول في الصلاة وهي قراءة الخمسين آية هي مقدار الوضوء فأشعر [ ص: 25 ] ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر .
470 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=972أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر } . رواه الخمسة ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ) . الحديث أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، قال الحافظ في الفتح : وصححه غير واحد قال : وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس ، وقد احتج به من قال بمشروعية الإسفار وقد تقدم الكلام عليه وعلى الجمع بينه وبين أحاديث التغليس ، وقد تقرر في الأصول أن الخطاب الخاص بنا لا يعارضه فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأمر بالإسفار لا يشمل النبي صلى الله عليه وسلم لا على طريق النصوصية ولا الظهور فملازمته للتغليس وموته عليه لا تقدح في مشروعية الإسفار للأمة لولا أنه فعل ذلك وفعله معه الصحابة لكان ذلك مشعرا بعدم الاختصاص به فلا بد من المصير إلى التأويل كما سبق .
قوله : ( بجمع ) بجيم مفتوحة فميم ساكنة فعين مهملة وهي المزدلفة ويوم جمع يوم عرفة وأيام جمع أيام منى أفاده القاموس . وإنما سميت المزدلفة جمعا ; لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنه قال : إنما سميت جمعا ; لأنه يجمع فيها بين الصلاتين ، وقيل : وصفت بفعل أهلها ; لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه بالوقوف فيها ، وقيل غير ذلك .
والحديث استدل به من قال باستحباب الإسفار ; لأن قوله قبل ميقاتها قد بين في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه في وقت الغلس فدل على أن ذلك الوقت أعني وقت الغلس متقدم على ميقات الصلاة المعروف عند nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فيكون ميقاتها المعهود هو الإسفار ; لأنه الذي يتعقب الغلس فيصلح ذلك للاحتجاج به على الإسفار وقد تقدم الكلام على ذلك .
472 - ( وعن { أبي الربيع قال : كنت مع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فقلت له : إني أصلي معك ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانا تسفر ، فقال : كذلك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها } . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ) . الحديث في إسناده أبو الربيع المذكور . قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : مجهول . وهو من جملة ما تمسك به القائلون باستحباب الإسفار ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان يسفر بعد موته صلى الله عليه وسلم فلو كان منسوخا لما فعله ، ولا يخفاك أن غاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يغلس وأحيانا يسفر وهذا لا يدل على أن الإسفار أفضل من التغليس ، إنما يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين وذلك مما لا نزاع فيه ، إنما النزاع في الأفضل ، وفعل nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لا يدل على عدم النسخ المتنازع فيه وهو نسخ الفضيلة لما سلف إنما يدل على عدم نسخ الجواز وذلك أمر متفق عليه .
473 - ( وعن { nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا } . رواه الحسين بن مسعود البغوي في شرح السنة وأخرجه بقي بن مخلد في مسنده المصنف ) . الحديث أخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية كما قال السيوطي في الجامع الكبير وفيه التفرقة بين زمان الشتاء والصيف في الإسفار والتغليس معللا بتلك العلة المذكورة في الحديث ولكنه لا يعارض أحاديث التغليس لما في حديث أبي مسعود السابق من التصريح بملازمته صلى الله عليه وسلم للتغليس حتى مات فكان آخر الأمرين منه ، وهذا الحديث ظاهر في التقدم لما فيه من التاريخ بخروج nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ إلى اليمن فلا بد من تأويله بما تقدم .