قوله : ( من نسي ) تمسك بدليل الخطاب من قال : إن العامد لا يقضي الصلاة ; لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط ، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي ، وإلى ذلك ذهب nindex.php?page=showalam&ids=15858داود nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم وبعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وحكاه في البحر عن ابني الهادي والأستاذ ، ورواية عن القاسم والناصر .
قال ابن تيمية حفيد المصنف : والمنازعون لهم ليس لهم حجة [ ص: 32 ] قط يرد إليها عند التنازع وأكثرهم يقولون : لا يجب القضاء إلا بأمر جديد ، وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط ، بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها وأطال البحث في ذلك واختار ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15854داود ومن معه والأمر كما ذكره فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد وهم من عدا من ذكرنا على دليل ينفق في سوق المناظرة ، ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=24091فدين الله أحق أن يقضى } باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا .
وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم : إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد ; لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فتدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب وهذا مردود ; لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي بل بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه ، فيكون إثباته مع عدم النص عبثا بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء كفارة لهما لا كفارة لهما سواه ، ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31032لا كفارة لها إلا ذلك } يدل على أن العامد مراد بالحديث ; لأن النائم والناسي لا إثم عليهما ، قالوا : فالمراد بالناسي التارك سواء كان عن ذهول أم لا .
ومنه قوله تعالى: { نسوا الله فنسيهم } وقوله تعالى: { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسي والنائم لعدم الإثم الذي جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرحت بوجوب ذلك عليهما ، وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال . وقال : الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد ، على أنه قد قيل : إن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيها على أنه لا يكفي مجرد . التوبة والاستغفار من دون فعل لها .
وقد أنصف ابن دقيق العيد فرد جميع ما تشبثوا به ، والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقا من عموم حديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24091فدين الله أحق أن يقضى } لا سيما على قول من قال : إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدال على وجوب الأداء ، فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردد ; لأنه يقول : المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه ، والدين لا يسقط إلا بأدائه ، إذا عرفت هذا علمت أن المقام من المضايق وأن قول النووي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بعد حكاية قول من قال : لا يجب القضاء على العامد أنه خطأ من قائله وجهالة - من الإفراط المذموم .
وكذلك قول المقبلي في المنار : إن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة إلى آخر كلامه من التفريط . قوله : ( لا كفارة لها إلا ذلك ) استدل بالحصر الواقع [ ص: 33 ] في هذه العبارة على الاكتفاء بفعل الصلاة عند ذكرها وعدم وجوب إعادتها عند حضور وقتها من اليوم الثاني ، وسيأتي الكلام علي ذلك عند الكلام على حديث عمران بن حصين من آخر هذا الباب . والأمر بفعلها عند الذكر يدل على وجوب المبادرة بها فيكون حجة لمذهب من قال بوجوبه على الفور ، وهو الهادي والمؤيد بالله والناصر nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني nindex.php?page=showalam&ids=15071والكرخي .
واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان لا يكون فعلها بعد خروج وقتها المقدر لها لهذا العذر قضاء ، وإن لزم ذلك باصطلاح الأصول لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء ، فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى ينتهض دليل يدل على القضاء . والحديثان يدلان على وجوب فعل الصلاة إذا ما فاتت بنوم أو نسيان وهو إجماع . قال nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه الله تعالىبعد أن ساق حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : وفيه أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور وأنها تقضى في أوقات النهي وغيرها ، وأن من مات وعليه صلاة فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه لها لقوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31032لا كفارة لها إلا ذلك } وفيه دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه انتهى .
وقيل : إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما ، والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث ، وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك ولا شك في إثم من نام بعد تضيق الوقت لتعليق الخطاب به ، والنوم مانع من الامتثال ، والواجب إزالة المانع ، وقد تقدم الكلام على قوله في الحديث " فإذا نسي أحدكم صلاة " . . . إلخ .
قوله : ( ثم أذن nindex.php?page=showalam&ids=115بلال ) فيه استحباب الأذان للصلاة الفائتة .
قوله : ( فصلى ) . . . إلخ فيه استحباب قضاء السنة الراتبة ; لأن الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سنة الصبح
قوله : ( كما كان يصنع كل يوم ) فيه إشارة إلى أن صفة قضاء الفائتة كصفة أدائها فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها وإلى ذلك ذهبت الشافعية وسيأتي الكلام على القنوت وتحقيق ما هو الحق فيه . ويؤخذ منه أيضا أنه يجهر في الصبح المقضية بعد طلوع الشمس . ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه الله: وفيه دليل على الجهر في قضاء الفجر نهارا انتهى . وقال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنه يسن فقط وحمل قوله كما كان يصنع على الأفعال فقط وفيه ضعف .
والمعارضة برواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم السابقة غير صحيحة لاحتمال أن يريد بقوله فليصلها عند وقتها أي الصلاة التي تحضر ; لأنه ربما توهم أن وقتها قد تحول إلى ذلك الوقت الذي ذكرها فيه ، ولا يريد أنه يعيد الصلاة بعد خروج وقتها ، ذكر معنى ذلك النووي والحافظ وغيرهما . وأما رواية أبي داود فقال الحافظ : إنها خطأ من راويها ، قال : وحكى ذلك الترمذي وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقد ذكر الحافظ في الفتح أنه رواها أبو داود من حديث عمران بن حصين ورأيناها في السنن من حديث nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة الأنصاري ، ولم يتفرد بها عمران حتى يقال في تضعيفها إنها من رواية الحسن عنه وقد صرح nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني وأبو حاتم وغيرهما أن الحسن لم يسمع منه ولكنها لا تنتهض لمعارضة حديث الباب بعد تأييده بما أسلفنا لا سيما بعد تصريح الحافظ بأنها خطأ . قال nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه اللهبعد سياقه لحديث الباب : فيه دليل على أن الفائتة يسن لها الأذان والإقامة والجماعة ، وأن النداءين مشروعان في السفر ، وأن السنن الرواتب تقضى انتهى . قوله : ( عرسنا ) التعريس : نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة ، هكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل . وقال أبو زيد : هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار .
قوله : ( فأذن ثم أقام ) سيأتي الكلام على الأذان والإقامة في القضاء في باب من عليه فائتة آخر الأذان إن شاء الله تعالى