وفي الباب أحاديث قد قدمنا الإشارة إليها في باب وجوب متابعة الإمام ، وقد قدمنا الكلام على أكثر ألفاظ أحاديث الباب هنالك قوله : ( مشربة ) بفتح الميم وبالشين المعجمة وبضم الراء وفتحها وهي الغرفة ، وقيل : كالخزانة فيها الطعام والشراب ، ولهذا سميت مشربة ، فإن المشربة بفتح الراء فقط : هي الموضع الذي يشرب منه الناس قوله : ( على جذم ) بجيم مكسورة وذال معجمة ساكنة : وهو أصل الشيء ، والمراد هنا أصل النخلة .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : " على جذع نخلة ذهب أعلاها وبقي أصلها في الأرض " ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري فتح الجيم وهي ضعيفة ، فإن الجذم بالفتح : القطع . قوله : ( فانفكت ) الفك : نوع من الوهن والخلع ، وانفك العظم : انتقل من مفصله ، يقال فككت الشيء : أبنت بعضه من بعض .
وقد استدل بالأحاديث المذكورة في الباب القائلون : إن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعدا وإن لم يكن المأموم معذورا ، وممن قال بذلك : nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود وبقية أهل الظاهر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وبهذا نأخذ ، إلا فيمن يصلي إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام فإنه يتخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن يصلي قائما . قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وبمثل قولنا يقول جمهور السلف ، ثم رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=168وأسيد بن حضير قال : ولا مخالف لهم يعرف في الصحابة .
ورواه عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أنه قال : ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا ، قال : [ ص: 204 ] وهي السنة عن غير واحد وقد حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان أيضا عن الصحابة الثلاثة المذكورين ، وعن قيس بن قهد أيضا من الصحابة .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11867أبي الشعثاء nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد من التابعين ، وحكاه أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=16040وأبي أيوب سليمان بن داود الهاشمي nindex.php?page=showalam&ids=11997وأبي خيثمة nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر nindex.php?page=showalam&ids=13114ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ، ثم قال بعد ذلك : وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته ; لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أفتوا به وبالإجماع عندنا إجماع الصحابة ، ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة ، لا بإسناد متصل ولا منقطع ، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين أن يصلوا قعودا ، وقد أفتى به من التابعين nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=11867وأبو الشعثاء ، ولم يرو عن أحد من التابعين أصلا خلافه لا بإسناد صحيح ولا واه فكأن التابعين أجمعوا على إجازته .
قال : وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي وأخذ عنه nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان ثم أخذ عن حماد nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وتبعه عليه من بعده من أصحابه انتهى كلام nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في المعالم nindex.php?page=showalam&ids=14961والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك . وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عنهم . وحكاه ابن دقيق العيد عن أكثر الفقهاء المشهورين .
وقال الحازمي في الاعتبار ما لفظه : وقال أكثر أهل العلم : يصلون قياما ولا يتابعون الإمام في الجلوس . وقد أجاب المخالفون لأحاديث الباب بأجوبة : أحدها دعوى النسخ ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والحميدي وغير واحد ، وجعلوا الناسخ ما تقدم من صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته بالناس قاعدا وهم قائمون خلفه ولم يأمرهم بالقعود . وأنكر nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد نسخ الأمر بذلك .
وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين : إحداهما : إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا . ثانيتهما : إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما ، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله عليه وسلم ، فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة ; لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما وصلوا معه قياما ، بخلاف الحالة الأولى { nindex.php?page=hadith&LINKID=23786فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا ، فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم } .
ويقوي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين ; لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا ، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا . فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد . والجواب الثاني من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب : دعوى التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم في كونه يؤم [ ص: 205 ] جالسا . حكى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض ، قال : ولا يصح لأحد أن يؤم جالسا بعده صلى الله عليه وسلم . قال : وهو مشهور قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وجماعة أصحابه . قال : وهذا أولى الأقاويل لأنه صلى الله عليه وسلم لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا في غيرها ولا لعذر ولا لغيره . ورد بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف وخلف أبي بكر ، وقد تقدم ذلك .
وأجيب عن ذلك بأن الحديث لا يصح من وجه من الوجوه كما قال العراقي ، وهو أيضا عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من رواية جابر الجعفي عن الشعبي مرسلا ، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر متروك .
وروي أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد عن الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16878، ومجالد ضعفه الجمهور . ولما ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أن هذا الحديث لا يصح عقبه بقوله : بيد أني سمعت بعض الأشياخ أن الحال أحد وجوه التخصيص ، وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض منه يقتضي الصلاة خلفه قاعدا ، وليس ذلك كله لغيره انتهى . قال ابن دقيق العيد : وقد عرف أن الأصل عدم التخصيص حتى يدل عليه دليل انتهى . على أنه يقدح في التخصيص ما أخرجه أبو داود أن nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير كان يؤم قومه ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقيل يا رسول الله : إن إمامنا مريض ، فقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10219إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا } قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بمتصل .
والجواب الثالث من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب : أنه يجمع بين الأحاديث بما تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : وأجيب عنه بأن الأحاديث ترده لما في بعض الطرق أنه أشار إليهم بعد الدخول في الصلاة . والجواب الرابع : تأويل قوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10219وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا } أي وإذا تشهد قاعدا فتشهدوا قعودا أجمعين . حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه عن بعض العراقيين ، وهو كما قال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : تحريف للخبر عمومه بغير دليل . ويرده ما ثبت في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : أنه أشار إليهم أن اجلسوا .
وفيه تعليل ذلك بموافقة الأعاجم في القيام على ملوكهم . إذا عرفت الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب فاعلم أنه قد أجاب المتمسكون بها على الأحاديث المخالفة لها بأجوبة : منها قول nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة : إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا لم يختلف في صحتها ولا في سياقها .
وأما صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما . ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب ، وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز . ومنها أنه استمر عمل الصحابة على القعود خلف الإمام القاعد في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته كما تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير وقيس بن قهد . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن [ ص: 206 ] nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : " أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا " وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا : أنه أفتى بذلك ، وإسناده كما قال الحافظ : صحيح ، ومنها ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان : أنه نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم قياما غير أبي بكر ; لأن ذلك لم يرد صريحا . قال الحافظ : والذي ادعى نفيه قد أثبته nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقال : إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة . قال الحافظ : ثم وجدته مصرحا به في مصنف nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء فذكر الحديث ولفظه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24231فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا . وجعل أبا بكر وراءه بينه وبين الناس ، وصلى الناس وراءه قياما } قال : وهذا مرسل يعتضد بالراوية التي غلقها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن النخعي ، قال : وهذا الذي يقتضيه النظر لأنهم ابتدءوا الصلاة مع أبي بكر قياما ، فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان .