قوله : ( وصليت معه العصر بذي الحليفة ) هكذا في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ذكرها الكشميهني وهي ثابتة عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في كتاب الحج . وقد استدل بذلك على إباحة القصر في السفر القصير ، لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال . وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر ، وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة واتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت صلاة العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع .
قوله : ( إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ) اختلف في تقدير الميل ، فقال في الفتح : الميل هو من الأرض منتهى مد البصر ، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه ، وبذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري . وقيل : أن ينظر إلى الشخص في أرض مستوية فلا يدري أرجل هو أم امرأة أو ذاهب أو آت ؟ . قال النووي : الميل ستة آلاف ذراع ، والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة معتدلة ، والأصبع ست شعيرات معترضة معتدلة . قالالحافظ : وهذا الذي قال هو الأشهر . ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان . وقيل : هو أربعة آلاف ذراع . وقيل : ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان . وقيل : خمسمائة وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر . وقيل : ألفا ذراع . ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل . قال : ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحريره قد حرره غيره بذراع الحديد المشهور في مصر والحجاز في هذه الأعصار ، فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن ، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد في القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا . قوله : ( أو ثلاثة فراسخ ) الفرسخ في الأصل : السكون ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده . وقيل : السعة . وقيل : الشيء الطويل . وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب ، وهو ثلاثة أميال . واعلم أنه قد وقع الخلاف الطويل بين علماء الإسلام في مقدار المسافة التي يقصر فيها الصلاة . قال في الفتح : فحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولا ، أقل ما قيل في ذلك : يوم وليلة ، وأكثره : ما دام غائبا عن بلده .
وقيل : أقل ما قيل في ذلك الميل كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . وإلى ذلك ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم الظاهري ، واحتج له بإطلاق السفر في كتاب الله تعالى كقوله : { وإذا ضربتم في الأرض } الآية ، [ ص: 246 ] وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون بأجمعهم سفرا من سفر .
ثم احتج على ترك القصر فيما دون الميل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصر ولا أفطر . وذكر في المحلى من أقوال الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء في تقدير مسافة القصر أقوالا كثيرة ولم يحط بها غيره واستدل لها ورد تلك الاستدلالات . وقد أخذ بظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور في الباب الظاهرية كما قال النووي . فذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال .
قال في الفتح : وهو أصح حديث ورد في ذلك وأصرحه ، وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر . قال : ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، فذكر الحديث .
قال : فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدئ القصر منه . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأصحابهما nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم إلى أنه لا يجوز إلا في مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلا هاشمية كما قال النووي . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة والكوفيون : لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة . وفي البحر عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن مسافة القصر أربعة وعشرون فرسخا . وحكى في البحر أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي والنفس الزكية والداعي والمؤيد بالله وأبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15071والكرخي وإحدى الروايات عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن مسافة القصر ثلاثة أيام بسير الإبل والأقدام .
وذهب الباقر والصادق nindex.php?page=showalam&ids=12279وأحمد بن عيسى والقاسم والهادي إلى أن مسافته بريد فصاعدا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وهو مروي عن الأوزاعي : إن مسافته يوم وليلة . قال في الفتح : وقد أورد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة يعني قوله في صحيحه : وسمى النبي صلى الله عليه وسلم السفر يوما وليلة بعد قوله : باب في كم يقصر الصلاة .
وأما نهي المرأة عن أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم فغاية ما فيه إطلاق اسم السفر على مسيرة ثلاثة أيام وهو غير مناف للقصر فيما دونها ، وكذلك نهيها عن سفر اليوم بدون محرم ، والبريد لا ينافي [ ص: 247 ] جواز القصر في ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، لأن الحكم على الأقل حكم على الأكثر وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=43353 : يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان } فليس مما تقوم به حجة ، لأن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر وهو متروك ، وقد نسبه النووي إلى الكذب وقال الأزدي : لا تحل الرواية عنه ، والراوي عنه nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في الحجازيين وعبد الوهاب المذكور حجازي ، والصحيح أنه موقوف على nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كما أخرجه عنه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بإسناد صحيح nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في الموطأ .
إذا تقرر لك هذا فالمتيقن هو ثلاثة فراسخ ، لأن حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور في الباب متردد ما بينها وبين ثلاثة أميال ، والثلاثة الأميال مندرجة في الثلاثة الفراسخ ، فيؤخذ بالأكثر احتياطا ، ولكنه روى nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=27656كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة } وقد أورد الحافظ هذا في التلخيص ولم يتكلم عليه ، فإن صح كان الفرسخ هو المتيقن ولا يقصر فيما دونه إلا إذا كان يسمى سفرا لغة أو شرعا . وقد اختلف أيضا فيمن قصد سفرا يقصر في مثله الصلاة على اختلاف الأقوال من أين يقصر ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمعوا على أن لمريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها . واختلفوا فيما قبل الخروج من البيوت ، فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله . ومنهم من قال : إذا ركب قصر إن شاء . ورجح nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت .
واختلفوا فيما قبل ذلك فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر . قال : ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة .