[ ص: 257 ] الحديث ورد بلفظ : " من غير خوف ولا سفر " وبلفظ : " من غير خوف ولا مطر " ، قال الحافظ : على أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شيء من كتب الحديث ، بل المشهور : " من غير خوف ولا سفر " . قوله : ( سبعا وثمانيا ) أي سبعا جميعا وثمانيا جميعا كما صرح به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في رواية له ذكرها في باب وقت المغرب . قوله : ( أراد أن لا يحرج أمته ) قال ابن سيد الناس قد اختلف في تقييده ، فروي يحرج بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته منصوب على أنه مفعوله ، وروي تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة ، وضم أمته على أنها فاعله ومعناه : إنما فعل تلك لئلا يشق عليهم ويثقل ، فقصد إلى التخفيف عنهم . وقد أخرج ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط والكبير ، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17744جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي } وقد ضعف بأن فيه ابن عبد القدوس وهو مندفع ، لأنه لم يتكلم فيه إلا بسبب روايته عن الضعفاء وتشيعه والأول غير قادح باعتبار ما نحن فيه ، إذ لم يروه عن ضعيف ، بل رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش كما قال الهيثمي . والثاني ليس بقدح معتد به ما لم يجاوز الحد المعتبر ولم ينقل عنه ذلك . على أنه قد قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : إنه صدوق . وقال أبو حاتم : لا بأس به .
وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقا بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقا وعادة . قال في الفتح : وممن قال به nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=15022والقفال الكبير ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث ، وقد رواه في البحر عن الإمامية والمتوكل على الله أحمد بن سليمان والمهدي أحمد بن الحسين ورواه ابن مظفر في البيان عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي والهادي وأحد قولي الناصر وأحد قولي المنصور بالله ولا أدري ما صحة ذلك ، فإن الذي وجدناه في كتب بعض هؤلاء الأئمة وكتب غيرهم يقضي بخلاف ذلك . وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز . وحكى في البحر عن البعض أنه إجماع ، ومنع ذلك مسندا بأنه قد خالف في ذلك من تقدم .
واعترض عليه صاحب المنار بأنه اعتداد بخلاف حادث بعد إجماع الصدر الأول . وأجاب الجمهور عن حديث الباب بأجوبة : منها أن الجمع المذكور كان للمرض وقواه النووي . قال الحافظ : وفيه نظر ، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر . والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه ، وقد صرح بذلك nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في روايته . ومنها أنه كان في غيم فصلى الظهر ، ثم انكشف الغيم مثلا فبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها . قالالنووي : وهو باطل ، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء . قال الحافظ : وكأن نفيه الاحتمال مبني على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد .
[ ص: 258 ] والمختار عنه خلافه ، وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء وعلى هذا فالاحتمال قائم . ومنها أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها . قال النووي : وهذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل .
قال الحافظ : وهذا الذي ضعفه قد استحسنه nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي ورجحه إمام الحرمين ، وجزم به من القدماء ابن الماجشون nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي ، وقواه ابن سيد الناس بأن nindex.php?page=showalam&ids=11866أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد قال به . قال الحافظ أيضا : ويقوي ما ذكر من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع ، فإما أن يحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر ، وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ، ويجمع بها بين مفترق الأحاديث ، فالجمع الصوري أولى والله أعلم ا هـ .
وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري ، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه ، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب . ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضا ما أخرجه ابن جرير عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما } وهذا هو الجمع الصوري ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر هو ممن روى جمعه صلى الله عليه وسلم بالمدينة كما أخرج ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عنه .
وهذه الروايات معينة لما هو المراد بلفظ جمع لما تقرر في الأصول من أن لفظ : " جمع بين الظهر والعصر " لا يعم وقتها كما في مختصر المنتهى وشروحه والغاية وشرحها وسائر كتب الأصول ، بل مدلوله لغة الهيئة الاجتماعية ، وهي موجودة في جمع التقديم والتأخير والجمع الصوري ، إلا أنه لا يتناول جميعها ولا اثنين منها ، إذ الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه كما صرح بذلك أئمة الأصول فلا يتعين [ ص: 259 ] واحد من صور الجمع المذكور إلا بدليل ، وقد قام الدليل على أن الجمع المذكور في الباب هو الجمع الصوري فوجب المصير إلى ذلك .
ويجاب عنه بأن الشارع قد عرف أمته أوائل الأوقات وأواخرها ، وبالغ في التعريف والبيان ، حتى أنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة ، والتخفيف في تأخير إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها وفعل الأولى في أول وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أول وقتها كما كان ذلك ديدنه صلى الله عليه وسلم حتى قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34472ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله تعالى }
ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين دفعة والخروج إليهما مرة أخف من خلافه وأيسر . وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في الفتح : أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لئلا تحرج أمتي " يقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج ، فإن قلت : الجمع الصوري هو فعل لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين في وقتها فلا يكون رخصة بل عزيمة ، فأي فائدة في قوله صلى الله عليه وسلم : " لئلا تحرج أمتي " مع شمول الأحاديث المعينة للوقت للجمع الصوري ، وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلا من باب الاطراح لفائدته وإلغاء مضمونه . قلت : لا شك أن الأقوال الصادرة منه صلى الله عليه وسلم شاملة للجمع الصوري كما ذكرت ، فلا يصح أن يكون رفع الحرج منسوبا إليها بل هو منسوب إلى الأفعال ليس إلا لما عرفناك من أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين ، فربما ظن ظان أن فعل الصلاة في أول وقتها متحتم لملازمته صلى الله عليه وسلم لذلك طول عمره ، فكان في جمعه جمعا صوريا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل .
ولا يخفاك أن الحديث صحيح ، وترك الجمهور للعمل به لا يقدح في صحته ولا يوجب سقوط الاستدلال به . وقد أخذ به بعض أهل العلم كما سلف وإن كان ظاهر كلام الترمذي أنه لم يأخذ به أحد ، ولكن قد أثبت ذلك غيره ، والمثبت مقدم ، فالأولى التعويل على ما قدمنا من أن ذلك الجمع صوري ، بل القول بذلك متحتم لما سلف .
وقد جمعنا في هذه المسألة رسالة مستقلة سميناها : تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع ، فمن أحب الوقوف عليها فليطلبها .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه الله تعالىبعد أن ساق حديث الباب ما لفظه : قلت : وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر والخوف وللمرض ، وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع ولأخبار المواقيت فتبقى فحواه على مقتضاه ، وقد صح الحديث في الجمع . للمستحاضة ، والاستحاضة نوع مرض .
nindex.php?page=showalam&ids=16867ولمالك في الموطأ عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم .
nindex.php?page=showalam&ids=13665وللأثرم في سننه عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : { من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء } ا هـ .