قوله تعالى : ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون قوله تعالى : ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
ليس عليك هداهم هذا الكلام متصل بذكر الصدقات ، فكأنه بين فيه جواز
الصدقة على المشركين . روى
سعيد بن جبير مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبب نزول هذه الآية
أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم . فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام . وذكر
النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقات فجاءه يهودي فقال : أعطني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لك من صدقة المسلمين شيء . فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت : ليس عليك هداهم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ، ثم نسخ الله ذلك بآية الصدقات . وروى
ابن عباس أنه قال : كان ناس من
الأنصار لهم قرابات من
بني قريظة والنضير ، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا ، فنزلت الآية بسبب أولئك . وحكى بعض المفسرين أن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء ابنة أبي بكر الصديق أرادت أن تصل جدها
أبا قحافة ثم امتنعت من ذلك لكونه كافرا فنزلت الآية في ذلك . وحكى
الطبري أن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين ، فقال الله تعالى :
ليس عليك هداهم . وقيل : "
ليس عليك هداهم " ليس متصلا بما قبل ، فيكون ظاهرا في
الصدقات وصرفها إلى الكفار ، بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلام .
[ ص: 307 ] الثانية : قال علماؤنا : هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي
صدقة التطوع . وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر ، لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836394أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم . قال
ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه ، من أهل العلم أن
الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ، ثم ذكر جماعة ممن نص على ذلك ولم يذكر خلافا . وقال
المهدوي : رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الآية . قال
ابن عطية : وهذا مردود بالإجماع . والله أعلم . وقال
أبو حنيفة : تصرف إليهم
زكاة الفطر .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا ضعيف لا أصل له . ودليلنا أنها صدقة طهرة واجبة فلا تصرف إلى الكافر كصدقة الماشية والعين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836411أغنوهم عن سؤال هذا اليوم يعني يوم الفطر .
قلت : وذلك لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد وهذا لا يتحقق في المشركين . وقد يجوز صرفها إلى غير المسلم في قول من جعلها سنة ، وهو أحد القولين عندنا ، وهو قول
أبي حنيفة على ما ذكرنا ، نظرا إلى عموم الآية في البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات . قال
ابن عطية : وهذا الحكم متصور للمسلمين مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين .
قلت : وفي التنزيل
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركا . وقال تعالى :
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم . فظواهر هذه الآيات تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم خص منها الزكاة المفروضة ، لقوله عليه السلام
لمعاذ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837893خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم واتفق العلماء على ذلك على ما
[ ص: 308 ] تقدم . فيدفع إليهم من صدقة التطوع إذا احتاجوا ، والله أعلم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فأما المسلم العاصي فلا خلاف أن صدقة الفطر تصرف إليه إلا إذا كان يترك أركان الإسلام من الصلاة والصيام فلا تدفع إليه الصدقة حتى يتوب .
وسائر أهل المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبيها لدخولهم في اسم المسلمين . وفي صحيح
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=831701أن رجلا تصدق على غني وسارق وزانية وتقبلت صدقته ، على ما يأتي بيانه في آية " الصدقات " .
الثالثة : قوله تعالى :
ولكن الله يهدي من يشاء أي يرشد من يشاء . وفي هذا رد على
القدرية وطوائف من
المعتزلة ، كما تقدم .
قوله تعالى :
وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله شرط وجوابه . والخير في هذه الآية المال ؛ لأنه قد اقترن بذكر الإنفاق فهذه القرينة تدل على أنه المال ، ومتى لم تقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال ، نحو قوله تعالى :
خير مستقرا ، وقوله
مثقال ذرة خيرا يره . إلى غير ذلك . وهذا تحرز من قول
عكرمة : كل خير في كتاب الله تعالى فهو المال . وحكي أن بعض العلماء كان يصنع كثيرا من المعروف ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا ، فقيل له في ذلك فيقول : إنما فعلت مع نفسي ، ويتلو
وما تنفقوا من خير فلأنفسكم . ثم بين تعالى أن النفقة المعتد بقبولها إنما هي ما كان ابتغاء وجهه . و ( ابتغاء ) هو على المفعول له . وقيل : إنه شهادة من الله تعالى للصحابة رضي الله عنهم أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجهه ، فهذا خرج مخرج التفضيل والثناء عليهم . وعلى التأويل الأول هو اشتراط عليهم ، ويتناول الاشتراط غيرهم من الأمة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=37لسعد بن أبي وقاص :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831702إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك .
قوله تعالى : وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون يوف إليكم تأكيد وبيان لقوله :
وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وأن ثواب الإنفاق يوفى إلى المنفقين ولا يبخسون منه شيئا فيكون ذلك البخس ظلما لهم .