قوله تعالى :
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين قوله تعالى : إن يمسسكم قرح القرح الجرح . والضم والفتح فيه لغتان عن
الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش ، مثل عقر وعقر .
الفراء : هو بالفتح الجرح ، وبالضم ألمه . والمعنى : إن يمسسكم يوم
أحد قرح فقد مس القوم يوم
بدر قرح مثله . وقرأ
محمد بن السميقع " قرح " بفتح القاف والراء على المصدر .
وتلك الأيام نداولها بين الناس قيل : هذا في الحرب ، تكون مرة
[ ص: 207 ] للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم ; فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون . وقيل :
نداولها بين الناس من فرح وغم وصحة وسقم وغنى وفقر . والدولة الكرة ; قال الشاعر :
فيوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر
وليعلم الله الذين آمنوا معناه ، وإنما كانت هذه المداولة ليرى المؤمن من المنافق فيميز بعضهم من بعض ; كما قال :
وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل : ليعلم صبر المؤمنين ، العلم الذي يقع عليه الجزاء كما علمه غيبا قبل أن كلفهم . وقد تقدم في " البقرة " هذا المعنى .
قوله تعالى : ويتخذ منكم شهداء فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى
ويتخذ منكم شهداء أي يكرمكم بالشهادة ; أي ليقتل قوم فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم . وقيل : لهذا قيل شهيد : وقيل : سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة وقيل : سمي شهيدا لأن أرواحهم احتضرت دار السلام ، لأنهم أحياء عند ربهم ، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة ; فالشهيد بمعنى الشاهد أي الحاضر للجنة ، وهذا هو الصحيح على ما يأتي والشهادة فضلها عظيم ، ويكفيك في فضلها قوله تعالى :
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية .
يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم إلى قوله :
ذلك الفوز العظيم وفي صحيح
البستي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831962ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من القرحة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15880راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=831963أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
" من قتل من المسلمين يوم أحد " منهم حمزة واليمان والنضر بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=104ومصعب بن عمير ، حدثني
عمرو بن علي أن
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن
قتادة قال : ما نعلم حيا
[ ص: 208 ] من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من
الأنصار . قال
قتادة : وحدثنا
أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم
أحد سبعون ، ويوم
بئر معونة سبعون ، ويوم
اليمامة سبعون . قال : وكان
بئر معونة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوم
اليمامة على عهد
أبي بكر يوم
مسيلمة الكذاب . وقال
أنس :
أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلي بن أبي طالب وبه نيف وستون جراحة من طعنة وضربة ورمية ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن .
الثانية : في قوله تعالى :
ويتخذ منكم شهداء دليل على أن
الإرادة غير الأمر كما يقول أهل السنة ; فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين :
حمزة وأصحابه وأراد قتلهم ، ونهى
آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقعه
آدم ، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرده فامتنع منه ; وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق :
ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم . وإن كان قد أمر جميعهم بالجهاد ، ولكنه خلق الكسل والأسباب القاطعة عن المسير فقعدوا .
الثالثة : روي عن
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838296جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فقال له : ( خير أصحابك في الأسارى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عام المقبل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا ) أخرجه
الترمذي وقال : حديث حسن . فأنجز الله وعده بشهادة أوليائه بعد أن خيرهم فاختاروا القتل .
والله لا يحب الظالمين أي المشركين ، أي : وإن أنال الكفار من المؤمنين فهو لا يحبهم ، وإن أحل ألما بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين .