[ ص: 307 ] (
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( 75 )
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ( 76 ) )
(
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( 77 ) )
يقول تعالى : (
أفتطمعون ) أيها المؤمنون (
أن يؤمنوا لكم ) أي : ينقاد لكم بالطاعة ، هؤلاء الفرقة الضالة من
اليهود ، الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك (
وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) أي : يتأولونه على غير تأويله (
من بعد ما عقلوه ) أي : فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة (
وهم يعلمون ) أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله ؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : (
فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ) [ المائدة : 13 ] .
قال
محمد بن إسحاق : حدثني
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة أو
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس أنه قال : ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم : (
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ) وليس قوله : (
يسمعون كلام الله ) يسمعون التوراة . كلهم قد سمعها . ولكن الذين سألوا
موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .
قال
محمد بن إسحاق : فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا
لموسى : يا
موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله تعالى ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك . فطلب ذلك
موسى إلى ربه تعالى فقال : نعم ، مرهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا ، ثم خرج بهم حتى أتوا
الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم
موسى أن يسجدوا ، فوقعوا سجودا ، وكلمه ربه تعالى ، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا . ثم انصرف بهم إلى
بني إسرائيل ، فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال
موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا . قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم ، فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) قال : هي التوراة ، حرفوها .
وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أعم مما ذكره
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق ، وإن كان قد اختاره
ابن جرير لظاهر السياق . فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم
موسى بن [ ص: 308 ] عمران ، عليه الصلاة والسلام ، وقد قال الله تعالى : (
وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، أي : مبلغا إليه ; ولهذا قال
قتادة في قوله : (
ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) قال : هم
اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه .
وقال
مجاهد : الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم .
وقال
أبو العالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم ، من نعت
محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرفوه عن مواضعه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وهم يعلمون ) أي أنهم أذنبوا . وقال
ابن وهب : قال
ابن زيد في قوله : (
يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) قال : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حراما ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا ; إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهو فيه محق ، وإن جاءهم أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ، ولا رشوة ، ولا شيء ، أمروه بالحق ، فقال الله لهم : (
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [ البقرة : 44 ] .
وقوله : (
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) الآية .
قال
محمد بن إسحاق : حدثنا
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة أو
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة . (
وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا ) لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله : (
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) أي : تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ، ونجد في كتابنا . اجحدوه ولا تقروا به . يقول الله تعالى : (
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا . وكذا قال
الربيع بن أنس ،
وقتادة وغير واحد من السلف والخلف ، حتى قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فيما رواه
ابن وهب عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : " لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن " . فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق : اذهبوا فقولوا : آمنا ، واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ، ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى : (
وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران : 72 ]
[ ص: 309 ]
وكانوا يقولون ، إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره . فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون . وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون : بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء ] قالوا : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) الآية .
وقال
أبو العالية : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني : بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت
محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) قال : كانوا يقولون : سيكون نبي . فخلا بعضهم ببعض فقالوا : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) .
قول آخر في المراد بالفتح : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : حدثني
القاسم بن أبي بزة ، عن
مجاهد ، في قوله تعالى : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فقال : " يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت " ، فقالوا : من أخبر بهذا الأمر
محمدا ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : هذا حين أرسل إليهم
عليا فآذوا
محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب (
ليحاجوكم به عند ربكم ) هؤلاء ناس من
اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به . فقال بعضهم لبعض : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ، ليقولوا : نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني : (
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني : بما قضى [ الله ] لكم وعليكم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : هؤلاء
اليهود ، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم : لا تحدثوا أصحاب
محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ، فيحاجوكم به عند ربكم ، فيخصموكم .
[ ص: 310 ]
وقوله : (
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) قال
أبو العالية : يعني ما أسروا من كفرهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وهو يجدونه مكتوبا عندهم . وكذا قال
قتادة .
وقال
الحسن : (
أن الله يعلم ما يسرون ) قال : كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض ، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم ، خشية أن يحاجهم أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم . (
وما يعلنون ) يعني : حين قالوا لأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم : آمنا . وكذا قال
أبو العالية ،
والربيع ،
وقتادة .