(
ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ( 87 ) )
ينعت ، تبارك وتعالى ،
بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة ، والاستكبار على الأنبياء ، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم ، فذكر تعالى أنه آتى
موسى الكتاب وهو التوراة فحرفوها وبدلوها ، وخالفوا أوامرها وأولوها . وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته ، كما قال تعالى : (
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) الآية [ المائدة : 44 ] ، ولهذا قال : ( وقفينا من بعده بالرسل ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك : أتبعنا . وقال غيره : أردفنا . والكل قريب ، كما قال تعالى : (
ثم أرسلنا رسلنا تترا ) [ المؤمنون : 44 ] حتى ختم أنبياء
بني إسرائيل بعيسى ابن مريم ، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام ، ولهذا أعطاه الله من البينات ، وهي : المعجزات . قال
ابن عباس : من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله ، وإبرائه الأسقام ، وإخباره بالغيوب ، وتأييده بروح القدس ، وهو
جبريل عليه السلام ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به . فاشتد تكذيب
بني إسرائيل له وحسدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في البعض ، كما قال تعالى إخبارا عن
عيسى : (
ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم ) الآية [ آل عمران : 50 ] . فكانت
بنو إسرائيل تعامل الأنبياء عليهم السلام أسوأ المعاملة ، ففريقا يكذبونه . وفريقا يقتلونه ، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبإلزامهم بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها ، فلهذا كان يشق ذلك عليهم ، فيكذبونهم ، وربما قتلوا بعضهم ; ولهذا قال تعالى : (
أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون )
والدليل على أن
روح القدس هو جبريل ، كما نص عليه
ابن مسعود في تفسير هذه الآية ، وتابعه على ذلك [
ابن عباس و ] محمد بن كعب القرظي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12428وإسماعيل بن أبي خالد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي ،
وقتادة مع قوله تعالى : (
نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين [ بلسان عربي مبين ] ) [ الشعراء : 193 - 195 ] ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وقال
ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن
عروة ، عن
عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500803أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع nindex.php?page=showalam&ids=144لحسان بن ثابت منبرا في المسجد ، فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيك " . وهذا من
[ ص: 322 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليق .
وقد رواه
أبو داود في سننه ، عن
لوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، عن
علي بن حجر ،
وإسماعيل بن موسى الفزاري ، ثلاثتهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام بن عروة ، كلاهما عن
عروة ، عن
عائشة به . وقال
الترمذي : حسن صحيح ، وهو حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد .
وفي الصحيحين من حديث
سفيان بن عيينة ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500804أن عمر مر بحسان ، وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه ، فقال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك . ثم التفت إلى nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، فقال : أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس " ؟ . فقال : اللهم نعم .
وفي بعض الروايات :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500805أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان : " اهجهم أو : هاجهم وجبريل معك " .
[ وفي شعر
حسان قوله :
وجبريل رسول الله ينادي وروح القدس ليس به خفاء ]
وقال
محمد بن إسحاق : حدثني
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب الأشعري :
أن نفرا من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أخبرنا عن الروح . فقال : " أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه جبريل ؟ وهو الذي يأتيني ؟ " قالوا : نعم .
[ وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان أظنه عن
ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500807 " إن روح القدس نفخ في روعي : إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " ] .
أقوال أخر :
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو زرعة ، حدثنا
منجاب بن الحارث ، حدثنا
بشر ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس : (
بروح القدس ) قال : هو الاسم الأعظم الذي كان
عيسى يحيي به
[ ص: 323 ] الموتى . وقال
ابن جرير : حدثت عن
المنجاب . فذكره . قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
سعيد بن جبير نحو ذلك . [ ونقله
القرطبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير أيضا قال : وهو الاسم الأعظم ] .
وقال
ابن أبي نجيح : الروح هو حفظة على الملائكة .
وقال
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس : القدس هو الرب تبارك وتعالى . وهو قول
كعب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : القدس : البركة . وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : القدس : الطهر .
[ وحكى
القرطبي عن
مجاهد والحسن البصري أنهما قالا : القدس : هو الله تعالى ، وروحه :
جبريل ، فعلى هذا يكون القول الأول ] .
وقال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله تعالى : (
وأيدناه بروح القدس ) قال : أيد الله
عيسى بالإنجيل روحا كما جعل القرآن روحا ، كلاهما روح من الله ، كما قال تعالى : (
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) [ الشورى : 52 ] .
ثم قال
ابن جرير : وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال : الروح في هذا الموضع
جبريل ، لأن الله ، عز وجل ، أخبر أنه أيد
عيسى به ، كما أخبر في قوله : (
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) الآية [ المائدة : 110 ] . فذكر أنه أيده به ، فلو كان الروح الذي أيده به هو الإنجيل ، لكان قوله : (
إذ أيدتك بروح القدس ) (
وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) تكرير قول لا معنى له ، والله أعز أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به .
قلت : ومن الدليل على أنه
جبريل ما تقدم في أول السياق ; ولله الحمد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري (
بروح القدس ) بالروح المقدسة ، كما يقول : حاتم الجود ورجل صدق ، ووصفها بالقدس كما قال : (
وروح منه ) فوصفه بالاختصاص والتقريب تكرمة ، وقيل : لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث ، وقيل : بجبريل ، وقيل : بالإنجيل ، كما قال في القرآن : (
روحا من أمرنا ) [ الشورى : 52 ] وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره ، وتضمن كلامه قولا آخر وهو أن المراد روح
عيسى نفسه المقدسة المطهرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله : (
ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) إنما لم يقل : وفريقا قتلتم ; لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضا لأنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر ، وقد قال ، عليه السلام ، في مرض موته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500808 " ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري " ، وهذا الحديث في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره .