(
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ( 85 )
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ( 86 )
لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( 87 ) ) .
[ ص: 263 ]
يخبر تعالى عن أوليائه المتقين ، الذين خافوه في الدار الدنيا واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم ، وأطاعوهم فيما أمروهم به ، وانتهوا عما عنه زجروهم : أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه . والوفد : هم القادمون ركبانا ، ومنه الوفود وركوبهم على نجائب من نور ، من مراكب الدار الآخرة ، وهم قادمون على خير موفود إليه ، إلى دار كرامته ورضوانه . وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم ، فإنهم يساقون عنفا إلى النار ، ( وردا ) عطاشا ، قاله عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد . وهاهنا يقال : (
أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) [ مريم : 73 ] .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد الأشج ، حدثنا
ابن خالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو بن قيس الملائي ، عن
ابن مرزوق : (
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها ، وأطيبها ريحا ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أما تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن وجهك . فيقول : أنا عملك الصالح ، وهكذا كنت في الدنيا ، حسن العمل طيبه ، فطالما ركبتك في الدنيا ، فهلم اركبني ، فيركبه . فذلك قوله : (
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) .
وقال
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس : (
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : ركبانا .
وقال
ابن جرير : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، حدثنا
ابن مهدي ، عن
شعبة ، عن
إسماعيل ، عن رجل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : (
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : على الإبل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : على النجائب .
وقال
الثوري : على الإبل النوق .
وقال
قتادة : (
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : إلى الجنة .
وقال
عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16071سويد بن سعيد ، أخبرنا
علي بن مسهر ، عن
عبد الرحمن بن إسحاق ، حدثنا
النعمان بن سعد قال : كنا جلوسا عند
علي ، رضي الله عنه ، فقرأ هذه الآية : (
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : لا والله ما على أرجلهم يحشرون ، ولا يحشر الوفد على أرجلهم ، ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها ، عليها رحائل من ذهب ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة .
وهكذا رواه
ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، من حديث
عبد الرحمن بن إسحاق المدني ، به . وزاد : " عليها رحائل الذهب ، وأزمتها الزبرجد " والباقي مثله .
وروى
ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا جدا مرفوعا ، عن
علي فقال :
حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12125أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا
مسلمة بن جعفر البجلي ،
[ ص: 264 ] سمعت
أبا معاذ البصري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825712إن عليا كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) فقال : ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون - أو : يؤتون - بنوق بيض لها أجنحة ، وعليها رحال الذهب ، شرك نعالهم نور يتلألأ ، كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فتغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدا ، وتجري عليهم نضرة النعيم ، فينتهون أو : فيأتون باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفيحة فيسمع لها طنين يا علي ، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قيمها فيفتح له ، فإذا رآه خر له - قال مسلمة : أراه قال : ساجدا - فيقول : ارفع رأسك ، فإنما أنا قيمك ، وكلت بأمرك . فيتبعه ويقفو أثره ، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ، ثم تقول : أنت - حبي ، وأنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أبأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن . فيدخل بيتا ، من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ ، طرائق : أصفر وأحمر وأخضر ، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها . وفي البيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه . الأنهار من تحتهم تطرد ، أنهار من ماء غير آسن - قال : صاف لا كدر فيه - وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، لم يخرج من ضروع الماشية ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، لم يعتصرها الرجال بأقدامهم وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل ، فيستحلي الثمار ، فإن شاء أكل قائما ، وإن شاء قاعدا ، وإن شاء متكئا ، ثم تلا ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) [ الإنسان : 14 ] ، فيشتهي الطعام ، فيأتيه طير أبيض ، وربما قال : أخضر ، فترفع أجنحتها ، فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ، ثم تطير فتذهب ، فيدخل الملك فيقول : سلام عليكم : ( تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [ الزخرف : 72 ] ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض ، لأضاءت الشمس معها ، سواد في نور " .
هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعا ، وقد رويناه في المقدمات من كلام
علي ، رضي الله عنه ، بنحوه ، وهو أشبه بالصحة ، والله أعلم .
وقوله : (
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) أي : عطاشا .
(
لا يملكون الشفاعة ) أي : ليس لهم من يشفع لهم ، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض ، كما قال تعالى مخبرا عنهم : (
فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) [ الشعراء : 100 ، 101 ]
[ ص: 265 ]
وقوله : (
إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) : هذا استثناء منقطع ، بمعنى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، والقيام بحقها .
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ، ولا يرجو إلا الله ، عز وجل .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
عثمان بن خالد الواسطي ، حدثنا
محمد بن الحسن الواسطي ، عن
المسعودي ، عن
عون بن عبد الله ، عن
أبي فاختة ، عن
الأسود بن يزيد قال : قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني ابن مسعود - هذه الآية : (
إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) ثم قال : اتخذوا عند الله عهدا ، فإن الله يقول يوم القيامة : " من كان له عند الله عهد فليقم " قالوا : يا
أبا عبد الرحمن ، فعلمنا . قال : قولوا : اللهم ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عمل تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل لي عندك عهدا تؤديه إلي يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد .
قال المسعودي : فحدثني زكريا ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، أخبرنا ابن مسعود : وكان يلحق بهن : خائفا مستجيرا مستغفرا ، راهبا راغبا إليك .
ثم رواه من وجه آخر ، عن المسعودي ، بنحوه .