(
قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ( 36 )
ولقد مننا عليك مرة أخرى ( 37 ) )
(
إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ( 38 )
أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ( 39 )
إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ( 40 ) )
هذه إجابة من الله لرسوله
موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من
فرعون وملئه أن يقتلوه; لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه فانفلت منها
[ ص: 284 ] وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار
فرعون (
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] أي قدرا مقدورا من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل ، حذرا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش
فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته له; ولهذا قال : (
يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ) أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال
سلمة بن كهيل : (
وألقيت عليك محبة مني ) قال : حببتك إلى عبادي .
(
ولتصنع على عيني ) قال
أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .
وقال
قتادة : تغذى على عيني .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078معمر بن المثنى : (
ولتصنع على عيني ) بحيث أرى .
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .
وقوله : (
إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ) وذلك أنه لما استقر عند
آل فرعون ، عرضوا عليه المراضع ، فأباها ، قال الله عز وجل : (
وحرمنا عليه المراضع من قبل ) فجاءت أخته وقالت (
هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) [ القصص : 12 ] . تعني هل أدلكم على من ترضعه لكم بالأجرة ؟ فذهبت به وهم معها إلى أمه ، فعرضت عليه ثديها ، فقبله ، ففرحوا بذلك فرحا شديدا ، واستأجروها على إرضاعه فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا وفي الآخرة أغنم وأجزل ; ولهذا جاء في الحديث :
" مثل الصانع الذي يحتسب في صنعته الخير ، كمثل أم موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها " .
وقال تعالى هاهنا : (
فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ) أي : عليك ، (
وقتلت نفسا ) يعني : القبطي ، (
فنجيناك من الغم ) وهو ما حصل له بسبب عزم
آل فرعون على قتله ففر منهم هاربا ، حتى ورد
ماء مدين ، وقال له ذلك الرجل الصالح : (
لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) [ القصص : 25 ] .
وقوله : (
وفتناك فتونا ) قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15397أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، رحمه الله ، في كتاب التفسير من سننه ، قوله : (
وفتناك فتونا ) :