(
قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ( 45 )
قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ( 46 )
فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى ( 47 )
إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ( 48 ) )
يقول تعالى إخبارا عن
موسى وهارون ، عليهما السلام ، أنهما قالا مستجيرين بالله تعالى شاكيين
[ ص: 296 ] إليه : (
إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ) يعنيان أن يبدر إليهما بعقوبة ، أو يعتدي عليهما فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك .
قال
عبد الرحمن بن زيد : (
أن يفرط ) يعجل .
وقال
مجاهد : يبسط علينا .
وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس : (
أو أن يطغى ) : يعتدي .
(
قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) أي : لا تخافا منه ، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه ، وأرى مكانكما ومكانه ، لا يخفى علي من أمركم شيء ، واعلما أن ناصيته بيدي ، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري ، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14714علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
عمرو بن مرة ، عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله قال : لما بعث الله عز وجل
موسى إلى
فرعون قال : رب ، أي شيء أقول ؟ قال : قل : هيا شراهيا . قال
الأعمش : فسر ذلك : الحي قبل كل شيء ، والحي بعد كل شيء .
إسناد جيد ، وشيء غريب .
(
فأتياه فقولا إنا رسولا ربك ) ، قد تقدم في حديث " الفتون " عن
ابن عباس أنه قال : مكثا على بابه حينا لا يؤذن لهما ، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد .
وذكر
محمد بن إسحاق بن يسار : أن
موسى وأخاه
هارون خرجا ، فوقفا بباب
فرعون يلتمسان الإذن عليه وهما يقولان : إنا رسل رب العالمين ، فآذنوا بنا هذا الرجل ، فمكثا فيما بلغني سنتين يغدوان ويروحان ، لا يعلم بهما ولا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما ، حتى دخل عليه بطال له يلاعبه ويضحكه ، فقال له : أيها الملك ، إن على بابك رجلا يقول قولا عجيبا ، يزعم أن له إلها غيرك أرسله إليك . قال : ببابي ؟ قال : نعم . قال : أدخلوه ، فدخل ومعه أخوه
هارون وفي يده عصاه ، فلما وقف على
فرعون قال : إني رسول رب العالمين . فعرفه
فرعون .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنه لما قدم بلاد
مصر ، ضاف أمه وأخاه وهما لا يعرفانه ، وكان طعامهما ليلتئذ الطعثلل وهو اللفت ، ثم عرفاه وسلما عليه ، فقال له
موسى : يا
هارون ، إن ربي قد أمرني أن آتي هذا الرجل
فرعون فأدعوه إلى الله ، وأمر أن تعاونني . قال : افعل ما أمرك ربك . فذهبا ، وكان ذلك ليلا فضرب
موسى باب القصر بعصاه ، فسمع
فرعون فغضب وقال من يجترئ على هذا
[ ص: 297 ] الصنيع ؟ فأخبره السدنة والبوابون بأن هاهنا رجلا مجنونا يقول : إنه رسول الله . فقال : علي به . فلما وقفا بين يديه قالا وقال لهما ما ذكر الله في كتابه .
وقوله : (
قد جئناك بآية من ربك ) أي : بدلالة ومعجزة من ربك ، (
والسلام على من اتبع الهدى ) أي : والسلام عليك إن اتبعت الهدى .
ولهذا لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
هرقل عظيم الروم كتابا ، كان أوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822017 " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى . أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين " .
وكذلك لما كتب
مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ، صورته : " من
مسيلمة رسول الله إلى
محمد رسول الله ، سلام عليك . أما بعد ، فإني قد أشركت في الأمر معك ، فلك المدر ولي الوبر ، ولكن
قريش قوم يعتدون " . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من
محمد رسول الله إلى
مسيلمة الكذاب ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " .
ولهذا قال
موسى وهارون ، عليهما السلام ،
لفرعون : (
والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) أي : قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متمحض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته ، كما قال تعالى : (
فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ) [ النازعات : 37 - 39 ] وقال تعالى : (
فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) [ الليل : 14 - 16 ] وقال تعالى : (
فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) [ القيامة : 31 ، 32 ] . أي : كذب بقلبه وتولى بفعله .