(
وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( 95 )
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ( 96 )
واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ( 97 ) ) .
يقول تعالى : (
وحرام على قرية ) قال
ابن عباس : وجب ، يعني : قدرا مقدرا أن أهل كل قرية أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة . هكذا صرح به
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=11958وأبو جعفر الباقر ، وقتادة ، وغير واحد .
وفي رواية عن
ابن عباس : (
أنهم لا يرجعون ) أي : لا يتوبون .
والقول الأول أظهر ، والله أعلم .
وقوله : (
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ) : قد قدمنا أنهم من سلالة
آدم ، عليه السلام ، بل هم من نسل
نوح أيضا من
أولاد يافث أبي الترك ، والترك شرذمة منهم ، تركوا من وراء السد الذي بناه
ذو القرنين .
وقال : (
هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) [ الكهف : 98 ، 99 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : (
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) أي : يسرعون في المشي إلى الفساد .
والحدب : هو المرتفع من الأرض ، قاله
ابن عباس ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وغيرهم ، وهذه صفتهم في حال خروجهم ، كأن السامع مشاهد لذلك ، (
ولا ينبئك مثل خبير ) [ فاطر : 14 ] : هذا إخبار عالم ما كان وما يكون ، الذي يعلم غيب السماوات والأرض ، لا إله إلا هو .
وقال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن مثنى ، حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
عبيد الله بن أبي يزيد قال : رأى
ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض ، يلعبون ، فقال
ابن عباس : هكذا
[ ص: 373 ] يخرج
يأجوج ومأجوج .
وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية :
فالحديث الأول : قال الإمام
أحمد : حدثنا
يعقوب ، حدثنا أبي ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16276عاصم بن عمر بن قتادة ، عن
محمود بن لبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822056 " يفتح يأجوج ومأجوج ، فيخرجون كما قال الله عز وجل " : ( [ وهم ] من كل حدب ينسلون ) ، فيغشون الناس ، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ، ويضمون إليهم مواشيهم ، ويشربون مياه الأرض ، حتى أن بعضهم ليمر بالنهر ، فيشربون ما فيه حتى يتركوه يبسا ، حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول : قد كان هاهنا ماء مرة حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم : هؤلاء أهل الأرض ، قد فرغنا منهم ، بقي أهل السماء . قال : " ثم يهز أحدهم حربته ، ثم يرمي بها إلى السماء ، فترجع إليه مختضبة دما; للبلاء والفتنة . فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه ، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس ، فيقول المسلمون : ألا رجل يشري لنا نفسه ، فينظر ما فعل هذا العدو؟ " قال : " فيتجرد رجل منهم محتسبا نفسه ، قد أوطنها على أنه مقتول ، فينزل فيجدهم موتى ، بعضهم على بعض ، فينادي : يا معشر المسلمين ، ألا أبشروا ، إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم ، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم ، فما يكون لها رعي إلا لحومهم ، فتشكر عنه كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط .
ورواه
ابن ماجه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، عن
ابن إسحاق ، به .
الحديث الثاني : قال [ الإمام ]
أحمد أيضا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16351عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني
يحيى بن جابر الطائي - قاضي حمص - حدثني
عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، عن أبيه ، أنه سمع
النواس بن سمعان الكلابي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822057ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، [ فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا ، فسألناه فقلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال الغداة ، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ] . فقال : " غير الدجال أخوفني عليكم ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم : إنه شاب جعد قطط عينه [ ص: 374 ] طافية ، وإنه يخرج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وشمالا يا عباد الله اثبتوا " .
قلنا : يا رسول الله ، ما لبثه في الأرض؟ قال : " أربعين يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم " .
قلنا : يا رسول الله ، فذاك اليوم الذي هو كسنة ، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال : " لا اقدروا له قدره " .
قلنا : يا رسول الله ، فما إسراعه في الأرض؟ قال : " كالغيث استدبرته الريح " . قال : " فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذرى ، وأمده خواصر ، وأسبغه ضروعا . ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فتتبعه أموالهم ، فيصبحون ممحلين ، ليس لهم من أموالهم . ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " . قال : " ويأمر برجل فيقتل ، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل إليه [ يتهلل وجهه ] .
فبينما هم على ذلك ، إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مهرودتين واضعا يده على أجنحة ملكين ، فيتبعه فيدركه ، فيقتله عند باب لد الشرقي " .
قال : " فبينما هم كذلك ، إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم : أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم ، فحوز عبادي إلى الطور ، فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج ، وهم كما قال الله : ( من كل حدب ينسلون ) فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل ، فيرسل الله عليهم نغفا في رقابهم ، فيصبحون فرسى ، كموت نفس واحدة .
فيهبط عيسى وأصحابه ، فلا يجدون في الأرض بيتا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله " .
قال ابن جابر فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي ، عن كعب - أو غيره - قال : فتطرحهم بالمهبل . [ قال ابن جابر : فقلت : يا أبا يزيد ، وأين المهبل؟ ] ، قال : مطلع الشمس .
قال : " ويرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أربعين يوما ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ويقال للأرض : أنبتي ثمرتك ، وردي بركتك " . قال : " فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرسل ، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر تكفي الفخذ ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت " . [ ص: 375 ]
قال : " فبينما هم على ذلك ، إذ بعث الله عز وجل ريحا طيبة تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مسلم - أو قال : كل مؤمن - ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمير ، وعليهم تقوم الساعة " .
انفرد بإخراجه
مسلم دون
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فرواه مع بقية أهل السنن من طرق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16351عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، به وقال
الترمذي : حسن صحيح .
الحديث الثالث : قال الإمام
أحمد : حدثنا
محمد بن بشر ، حدثنا
محمد بن عمرو ، عن
ابن حرملة ، عن خالته قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822058خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب ، فقال : " إنكم تقولون : " لا عدو ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوا ، حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه ، صغار العيون ، صهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة " .
وكذا رواه
ابن أبي حاتم من حديث
محمد بن عمرو ، عن
خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي ، عن خالة له ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
الحديث الرابع : قد تقدم في تفسير آخر سورة الأعراف من رواية الإمام
أحمد ، عن
هشيم ، عن
العوام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15621جبلة بن سحيم ، عن
مؤثر بن عفازة ، عن
ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822059لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، عليهم السلام ، قال : فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال : أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيها عهد إلي ربي أن الدجال خارج " .
قال : " ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص " قال : " فيهلكه الله إذا رآني ، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم إن تحتي كافرا ، فتعال فاقتله " . قال : " فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم " . قال : " فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيطؤون بلادهم ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه " . قال : " ثم يرجع الناس إلي يشكونهم ، فأدعو الله عليهم ، فيهلكهم ويميتهم ، حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم ، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم ، حتى يقذفهم في البحر . ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك ، أن الساعة كالحامل المتم ، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلا أو نهارا " .
ورواه
ابن ماجه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
العوام بن حوشب ، به
[ ص: 376 ] ، نحوه وزاد : " قال
العوام ، ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : (
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) .
ورواه
ابن جرير هاهنا من حديث
جبلة ، به .
والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، والآثار عن السلف كذلك .
وقد روى
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، من حديث
معمر ، عن غير واحد ، عن
حميد بن هلال ، عن
أبي الصيف قال : قال
كعب : إذا كان عند خروج
يأجوج ومأجوج ، حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيده الله كما كان . فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله . فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون حتى يخرجوا . فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة ، فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون : قد كان هاهنا مرة ماء ، ويفر الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء . ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مخضبة بالدماء فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء . فيدعو عليهم
عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فيقول : " اللهم ، لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت " ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له : النغف ، فيفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها : " الحياة " يطهر الله الأرض وينبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن " . قيل : وما السكن يا
كعب؟ قال : أهل البيت - قال : " فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده . قال : فيبعث
عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة ، أو بين السبعمائة والثمانمائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج الناس ، فيتسافدون كما تسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع؟ قال
كعب : فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا - أو بعد علمي هذا شيئا - فهو المتكلف .
هذا من أحسن سياقات
كعب الأحبار ، لما شهد له من صحيح الأخبار .
وقد ثبت في الحديث أن
عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق ، وقال الإمام
أحمد : حدثنا
سليمان بن داود ، حدثنا
عمران ، عن
قتادة ، عن
عبد الله بن أبي عتبة ، عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822060 " ليحجن هذا البيت ، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " . انفرد بإخراجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
[ ص: 377 ]
وقوله : (
واقترب الوعد الحق ) يعني : يوم القيامة ، إذا وجدت هذه الأهوال والزلازل والبلابل ، أزفت الساعة واقتربت ، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون : (
هذا يوم عسر ) [ القمر : 8 ] . ولهذا قال تعالى : (
فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) أي : من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام : ( يا ويلنا ) أي : يقولون : (
يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ) أي : في الدنيا ، (
بل كنا ظالمين ) ، يعترفون بظلمهم لأنفسهم ، حيث لا ينفعهم ذلك .