(
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ( 105 )
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ( 106 )
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( 107 ) ) .
يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين ، من السعادة في الدنيا والآخرة ، ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة ، كقوله تعالى : (
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) [ الأعراف : 128 ] . وقال : (
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [ غافر : 51 ] . وقال : (
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم [ وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ] ) ، الآية [ النور : 55 ] . وأخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية والقدرية فهو كائن لا محالة; ولهذا قال تعالى : (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) ، قال
الأعمش : سألت
سعيد بن جبير عن قوله تعالى : (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) فقال الزبور : التوراة ، والإنجيل ، والقرآن .
وقال
مجاهد : الزبور : الكتاب .
وقال
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد : الزبور : الذي أنزل على
داود ، والذكر : التوراة ، وعن
ابن عباس : الزبور : القرآن .
وقال
سعيد بن جبير : الذكر : الذي في السماء .
[ ص: 385 ]
وقال
مجاهد : الزبور : الكتب بعد الذكر ، والذكر : أم الكتاب عند الله .
واختار ذلك
ابن جرير رحمه الله ، وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : هو الكتاب الأول . وقال
الثوري : هو اللوح المحفوظ . وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الزبور : الكتب التي نزلت على الأنبياء ، والذكر : أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض ، أن يورث أمة
محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويدخلهم الجنة ، وهم الصالحون .
وقال
مجاهد ، عن
ابن عباس : (
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة . وكذا قال
أبو العالية ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح ، nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري [ رحمهم الله تعالى ] .
وقوله : (
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) أي : إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا
محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغا : لمنفعة وكفاية لقوم عابدين ، وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه ، وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم .
وقوله [ تعالى ] : (
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) : يخبر تعالى أن
الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، أي : أرسله رحمة لهم كلهم ، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة ، سعد في الدنيا والآخرة ، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : (
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار ) [ إبراهيم : 28 ، 29 ] ، وقال الله تعالى في صفة القرآن : (
قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] .
وقال
مسلم في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، حدثنا
مروان الفزاري ، عن
يزيد بن كيسان ، عن
ابن أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822063قيل : يا رسول الله ، ادع على المشركين ، قال : " إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة " . انفرد بإخراجه
مسلم .
وفي الحديث الآخر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822064إنما أنا رحمة مهداة " . رواه
عبد الله بن أبي عرابة ، وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي : وقد رواه غيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، [ ص: 386 ] فلم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد سئل عن هذا الحديث ، فقال : كان عند
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث مرسلا .
قال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر : وقد رواه
مالك بن سعير بن الخمس ، عن
الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا . ثم ساقه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12909أبي بكر بن المقرئ nindex.php?page=showalam&ids=11797وأبي أحمد الحاكم ، كلاهما عن
بكر بن محمد بن إبراهيم الصوفي : حدثنا
إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن
أبي أسامة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822064 " إنما أنا رحمة مهداة " .
ثم أورده من طريق
الصلت بن مسعود ، عن
سفيان بن عيينة ، عن
مسعر ، عن
سعيد بن خالد ، عن رجل ، عن
ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825752 " إن الله بعثني رحمة مهداة ، بعثت برفع قوم وخفض آخرين " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني : حدثنا
أحمد بن محمد بن نافع الطحان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح قال : وجدت كتابا
بالمدينة عن
عبد العزيز الدراوردي وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن
محمد بن صالح التمار ، عن
ابن [ شهاب ] عن
محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : قال
أبو جهل حين قدم
[ مكة ] منصرفه عن
حمزة : يا معشر
قريش ، إن
محمدا نزل
يثرب وأرسل طلائعه ، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا ، فاحذروا أن تمروا طريقه أو تقاربوه ، فإنه كالأسد الضاري; إنه حنق عليكم; لأنكم نفيتموه نفي القردان عن المناسم ، والله إن له لسحرة ، ما رأيته قط ولا أحدا من أصحابه إلا رأيت معهم الشيطان ، وإنكم قد عرفتم عداوة ابني قيلة - يعني :
الأوس والخزرج - لهو عدو استعان بعدو ، فقال له
مطعم بن عدي : يا
أبا الحكم ، والله ما رأيت أحدا أصدق لسانا ، ولا أصدق موعدا ، من أخيكم الذي طردتم ، وإذ فعلتم الذي فعلتم فكونوا أكف الناس عنه . قال
[ أبو سفيان ] بن الحارث : كونوا أشد ما كنتم عليه ، إن ابني قيلة إن ظفروا بكم لم يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، وإن أطعتموني ألجأتموهم خير كنابة ، أو تخرجوا
محمدا [ ص: 387 ] من بين ظهرانيهم ، فيكون وحيدا مطرودا ، وأما [ ابنا قيلة فوالله ما هما ] وأهل [ دهلك ] في المذلة إلا سواء وسأكفيكم حدهم ، وقال :
سأمنح جانبا مني غليظا على ما كان من قرب وبعد رجال الخزرجية أهل ذل
إذا ما كان هزل بعد جد
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825753 " والذي نفسي بيده ، لأقتلنهم ولأصلبنهم ولأهدينهم وهم كارهون ، إني رحمة بعثني الله ، ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه ، لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحي الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح : أرجو أن يكون الحديث صحيحا .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
معاوية بن عمرو ، حدثنا
زائدة ، حدثني
عمرو بن قيس ، عن
عمرو بن أبي قرة الكندي قال : كان
حذيفة بالمدائن ، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء
حذيفة إلى
سلمان فقال
سلمان : يا
حذيفة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ كان يغضب فيقول ، ويرضى فيقول : لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] خطب فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822065 " أيما رجل من أمتي سببته [ سبة ] في غضبي أو لعنته لعنة ، فإنما أنا رجل من ولد آدم ، أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين ، فاجعلها صلاة عليه يوم القيامة " .
ورواه
أبو داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس ، عن
زائدة .
فإن قيل : فأي رحمة حصلت لمن كفر به؟ فالجواب ما رواه
أبو جعفر ابن جرير : حدثنا
إسحاق بن شاهين ، حدثنا
إسحاق الأزرق ، عن
المسعودي ، عن رجل يقال له :
سعيد ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في قوله : (
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : من آمن بالله واليوم الآخر ، كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف .
وهكذا رواه
ابن أبي حاتم ، من حديث
المسعودي ، عن
أبي سعد - وهو سعيد بن المرزبان البقال - عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، فذكره بنحوه ، والله أعلم .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني عن
عبدان بن أحمد ، عن
عيسى بن يونس الرملي ، عن
أيوب بن سويد ، عن
المسعودي ، عن
حبيب بن أبي ثابت ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : من تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يتبعه عوفي مما كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والقذف .