(
وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( 26 )
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ( 27 ) ) .
هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله ، وأشرك به من
قريش ، في البقعة التي أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فذكر تعالى أنه بوأ
إبراهيم مكان البيت ، أي : أرشده إليه ، وسلمه له ، وأذن له في بنائه .
واستدل به كثير ممن قال : " إن
إبراهيم ، عليه السلام ، هو أول من بنى البيت العتيق ، وأنه لم يبن قبله " ، كما ثبت في الصحيح عن
أبي ذر nindex.php?page=hadith&LINKID=820369قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول؟ قال : " المسجد الحرام " . قلت : ثم أي؟ قال : " بيت المقدس " . قلت كم بينهما؟ قال : " أربعون سنة " .
وقد قال الله تعالى : (
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين .
فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) الآية [ آل عمران : 96 ، 97 ] ، وقال تعالى : (
وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) [ البقرة : 125 ] .
وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقال تعالى هاهنا : (
أن لا تشرك بي ) أي : ابنه على اسمي وحدي ، (
وطهر بيتي ) قال
مجاهد وقتادة : من الشرك ، (
للطائفين والقائمين والركع السجود ) أي : اجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له .
فالطائف به معروف ، وهو
أخص العبادات عند البيت ، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها ، ( والقائمين ) أي : في الصلاة; ولهذا قال : (
والركع السجود ) فقرن الطواف بالصلاة; لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت ، فالطواف عنده ، والصلاة إليه في غالب الأحوال ، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة وفي الحرب ، وفي النافلة في السفر ، والله أعلم .
[ ص: 414 ]
وقوله : (
وأذن في الناس بالحج ) أي : ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه . فذكر أنه قال : يا رب ، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل : ناد وعلينا البلاغ .
فقام على
مقامه ، وقيل : على
الحجر ، وقيل : على
الصفا ، وقيل : على
أبي قبيس ، وقال : يا أيها الناس ، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ، فيقال : إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة : " لبيك اللهم لبيك " .
هذا مضمون ما روي عن
ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .
أوردها
ابن جرير ، nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم مطولة .
وقوله : (
يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن
الحج ماشيا ، لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا; لأنه قدمهم في الذكر ، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم ، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل; اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه حج راكبا مع كمال قوته ، عليه السلام .
وقوله : (
يأتين من كل فج ) يعني : طريق ، كما قال : (
وجعلنا فيها فجاجا سبلا ) [ الأنبياء : 31 ] .
وقوله : ( عميق ) أي : بعيد . قاله
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وغير واحد .
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن
إبراهيم ، حيث قال في دعائه : (
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) [ إبراهيم : 37 ] فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية
الكعبة والطواف ، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار .