(
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ( 28 )
ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( 29 ) ) .
قال
ابن عباس : (
ليشهدوا منافع لهم ) قال : منافع الدنيا والآخرة; أما منافع الآخرة فرضوان الله ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات . وكذا قال
مجاهد ، وغير واحد : إنها منافع الدنيا والآخرة ، كقوله : (
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) [ البقرة : 198 ] .
[ ص: 415 ]
وقوله : (
ويذكروا اسم الله [ في أيام معلومات ] على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) قال
شعبة [
وهشيم ] عن [
أبي بشر عن
سعيد ] عن
ابن عباس :
الأيام المعلومات : أيام العشر ، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به . ويروى مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي . وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والمشهور عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
محمد بن عرعرة ، حدثنا
شعبة ، عن
سليمان ، عن
مسلم البطين ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822095 " ما العمل في أيام أفضل منها في هذه " قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل ، يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء " .
ورواه الإمام
أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . وقال
الترمذي : حديث حسن غريب صحيح . وفي الباب عن
ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمرو ، وجابر .
قلت : وقد تقصيت هذه الطرق ، وأفردت لها جزءا على حدته ، فمن ذلك ما قال الإمام
أحمد : حدثنا عفان ، أنبأنا
أبو عوانة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
مجاهد ، عن
ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822096 " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن ، من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد " وروي من وجه آخر ، عن
مجاهد ، عن
ابن عمر ، بنحوه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وكان
ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
وقد روى
أحمد عن
جابر مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825765إن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله : ( والفجر وليال عشر ) [ الفجر : 1 ، 2 ] .
وقال بعض السلف : إنه المراد بقوله : (
وأتممناها بعشر ) [ الأعراف : 142 ] .
وفي سنن
أبي داود :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا العشر .
وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501276سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ، فقال : " أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية " .
[ ص: 416 ]
ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله .
وبالجملة ، فهذا العشر قد قيل : إنه أفضل أيام السنة ، كما نطق به الحديث ، ففضله كثير على عشر رمضان الأخير; لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك ، من صيام وصلاة وصدقة وغيره ، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه .
وقيل : ذاك أفضل لاشتماله على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر .
وتوسط آخرون فقالوا : أيام هذا أفضل ، وليالي ذاك أفضل . وبهذا يجتمع شمل الأدلة ، والله أعلم .
قول ثان في الأيام المعلومات : قال
الحكم ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده . ويروى هذا عن
ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في رواية عنه .
قول ثالث : قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
علي ابن المديني ، حدثنا
يحيى بن سعيد ، حدثنا
ابن عجلان ، حدثني
نافع; أن
ابن عمر كان يقول : الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام ، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم النحر .
هذا إسناد صحيح إليه ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : وهو مذهب الإمام
مالك بن أنس ، ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى : (
على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني به : ذكر الله عند ذبحها .
قول رابع : إنها يوم عرفة ، ويوم النحر ، ويوم آخر بعده . وهو مذهب
أبي حنيفة .
وقال
ابن وهب : حدثني
ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه أنه قال : المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .
وقوله : (
على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني : الإبل والبقر والغنم ، كما فصلها تعالى في سورة الأنعام وأنها (
ثمانية أزواج ) الآية [ الأنعام : 143 ] .
وقوله (
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب
الأكل من الأضاحي وهو قول غريب ، والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب ، كما ثبت
nindex.php?page=hadith&LINKID=825766أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب : [ قال لي
مالك : أحب أن يأكل من أضحيته; لأن الله يقول : (
فكلوا منها ) : قال
ابن وهب ] وسألت
الليث ، فقال لي مثل ذلك .
[ ص: 417 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
منصور ، عن
إبراهيم : ( فكلوا منها ) قال : كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين ، فمن شاء أكل ، ومن شاء لم يأكل . وروي عن
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء نحو ذلك .
قال
هشيم ، عن
حصين ، عن
مجاهد في قوله ) فكلوا منها ) : هي كقوله : (
وإذا حللتم فاصطادوا ) [ المائدة : 2 ] ، (
فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) [ الجمعة : 10 ] .
وهذا اختيار
ابن جرير في تفسيره ، واستدل من نصر القول بأن
الأضاحي يتصدق منها بالنصف بقوله في هذه الآية : (
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، فجزأها نصفين : نصف للمضحي ، ونصف للفقراء .
والقول الآخر : أنها تجزأ ثلاثة أجزاء : ثلث له ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به; لقوله في الآية الأخرى : (
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) [ الحج : 36 ] وسيأتي الكلام عليها عندها ، إن شاء الله ، وبه الثقة .
وقوله : (
البائس الفقير ) ، قال
عكرمة : هو المضطر الذي عليه البؤس ، [ والفقير ] المتعفف .
وقال
مجاهد : هو الذي لا يبسط يده . وقال
قتادة : هو الزمن . وقال
مقاتل بن حيان : هو الضرير .
وقوله : (
ثم ليقضوا تفثهم ) : قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : هو وضع [ الإحرام ] من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظفار ، ونحو ذلك . وهكذا روى
عطاء ومجاهد ، عنه . وكذا قال
عكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي .
وقال
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
ثم ليقضوا تفثهم ) قال : التفث : المناسك .
وقوله : (
وليوفوا نذورهم ) ، قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : يعني : نحر ما نذر من أمر البدن .
وقال
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
وليوفوا نذورهم ) : نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج .
وقال
إبراهيم بن ميسرة ، عن
مجاهد : (
وليوفوا نذورهم ) قال : الذبائح .
وقال
ليث بن أبي سليم ، عن
مجاهد : (
وليوفوا نذورهم ) كل نذر إلى أجل .
وقال
عكرمة : (
وليوفوا نذورهم ) ، قال : [ حجهم .
وكذا روى الإمام
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، حدثنا
سفيان في قوله : (
وليوفوا نذورهم ) قال : ] نذر الحج ، فكل من دخل الحج فعليه من العمل فيه : الطواف
بالبيت [ ص: 418 ] وبين
الصفا والمروة ، وعرفة ، والمزدلفة ، ورمي الجمار ، على ما أمروا به . وروي عن
مالك نحو هذا .
وقوله : (
وليطوفوا بالبيت العتيق ) : قال
مجاهد : يعني : الطواف الواجب يوم النحر .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
حماد ، عن
أبي حمزة قال : قال لي
ابن عباس : أتقرأ سورة الحج؟ يقول الله : (
وليطوفوا بالبيت العتيق ) ، فإن
آخر المناسك الطواف بالبيت .
قلت : وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما رجع إلى
منى يوم النحر بدأ يرمي الجمرة ، فرماها بسبع حصيات ، ثم نحر هديه ، وحلق رأسه ، ثم أفاض فطاف
بالبيت . وفي الصحيح عن
ابن عباس أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض .
وقوله : ( بالبيت العتيق ) : فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء
الحجر; لأنه من أصل البيت الذي بناه
إبراهيم ، وإن كانت
قريش قد أخرجوه من البيت ، حين قصرت بهم النفقة; ولهذا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء
الحجر ، وأخبر أن
الحجر من البيت ، ولم يستلم
الركنين الشاميين; لأنهما لم يتمما على قواعد
إبراهيم العتيقة; ولهذا قال
ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا
ابن أبي عمر العدني ، حدثنا
سفيان ، عن
هشام بن حجر ، عن رجل ، عن
ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (
وليطوفوا بالبيت العتيق ) ، طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه .
وقال
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري في قوله : (
وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ قال ] : لأنه أول بيت وضع للناس . وكذا قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وعن
عكرمة أنه قال : إنما سمي البيت العتيق; لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح .
وقال
خصيف : إنما سمي البيت العتيق; لأنه لم يظهر عليه جبار قط .
وقال
ابن أبي نجيح وليث عن
مجاهد : أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه . وكذا قال
قتادة .
وقال
حماد بن سلمة ، عن
حميد ، عن
الحسن بن مسلم ، عن
مجاهد : لأنه لم يرده أحد بسوء إلا هلك .
وقال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
الزهري ، عن
ابن الزبير قال : إنما سمي البيت العتيق; لأن الله أعتقه من الجبابرة .
وقال
الترمذي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل وغير واحد ، حدثنا
عبد الله بن صالح ، أخبرني
[ ص: 419 ] الليث ، عن
عبد الرحمن بن خالد ، عن
ابن شهاب ، عن
محمد بن عروة ، عن
عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822098إنما سمي البيت العتيق; لأنه لم يظهر عليه جبار " .
وكذا رواه
ابن جرير ، عن
محمد بن سهل النجاري ، عن
عبد الله بن صالح ، به . وقال : إن كان صحيحا وقال
الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، ثم رواه من وجه آخر عن
الزهري ، مرسلا .