(
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ( 36 ) ) .
يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن ، وجعلها من شعائره ، وهو أنه جعلها تهدى إلى
بيته الحرام ، بل هي أفضل ما يهدى [ إلى بيته الحرام ] ، كما قال تعالى : (
لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد [ ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ] ) الآية : [ المائدة : 2 ] .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال
عطاء في قوله : (
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ) ، قال : البقرة ، والبعير . وكذا روي عن
ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري . وقال
مجاهد : إنما البدن من الإبل .
قلت : أما إطلاق البدنة على البعير فمتفق عليه ، واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة ، على قولين ، أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح في الحديث .
ثم جمهور العلماء على أنه
تجزئ البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، كما ثبت به الحديث عند مسلم ، من رواية جابر بن عبد الله [ وغيره ] ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825770أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الأضاحي ، [ ص: 426 ] البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة .
[ وقال
إسحاق ابن راهويه وغيره : بل تجزئ البقرة عن سبعة ، والبعير عن عشرة ] . وقد ورد به حديث في مسند الإمام
أحمد ، وسنن النسائي ، وغيرهما ، فالله أعلم .
وقوله : (
لكم فيها خير ) ، أي : ثواب في الدار الآخرة .
وعن
سليمان بن يزيد الكعبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822118 " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان ، قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا " . رواه
ابن ماجه ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : كان
أبو حاتم يستدين ويسوق البدن ، فقيل له : تستدين وتسوق البدن؟ فقال : إني سمعت الله يقول : (
لكم فيها خير )
وعن
ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825771 " ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد " . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه .
وقال
مجاهد : (
لكم فيها خير ) قال : أجر ومنافع .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها .
وقوله : (
فاذكروا اسم الله عليها صواف ) وعن [
nindex.php?page=showalam&ids=15255المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن ]
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825772صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى ، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه ، فقال : " بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " .
رواه
أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
ابن عباس ، عن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822119ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد ، فقال حين وجههما : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين ، اللهم منك ولك ، وعن محمد وأمته " . ثم سمى الله وكبر [ ص: 427 ] وذبح .
وعن
علي بن الحسين ، عن
أبي رافع; nindex.php?page=hadith&LINKID=825773أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ، ثم يقول : " اللهم هذا عن أمتي جميعها ، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " . ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ، ثم يقول : " هذا عن محمد وآل محمد " فيطعمها جميعا المساكين ، [ ويأكل ] هو وأهله منهما .
رواه
أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .
وقال
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12062أبي ظبيان ، عن
ابن عباس في قوله : (
فاذكروا اسم الله عليها صواف ) ، قال : قيام على ثلاث قوائم ، معقولة يدها اليسرى ، يقول : " بسم الله والله أكبر ، اللهم منك ولك " . وكذلك روى
مجاهد ، وعلي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن
ابن عباس ، نحو هذا .
وقال
ليث . عن
مجاهد : إذا عقلت رجلها اليسرى قامت على ثلاث . وروى
ابن أبي نجيح ، عنه ، نحوه .
وقال
الضحاك : تعقل رجل واحدة فتكون على ثلاث .
وفي الصحيحين
nindex.php?page=hadith&LINKID=822121عن ابن عمر : أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته وهو ينحرها ، فقال : ابعثها قياما مقيدة سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
وعن
جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822122أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى ، قائمة على ما بقي من قوائمها . رواه
أبو داود .
وقال
ابن لهيعة : حدثني
عطاء بن دينار ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله قال
nindex.php?page=showalam&ids=16044لسليمان بن عبد الملك : قف من شقها الأيمن ، وانحر من شقها الأيسر .
وفي صحيح
مسلم ، عن
جابر ، في صفة حجة الوداع ، قال فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825774فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين بدنة ، جعل يطعنها بحربة في يده .
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة قال : في حرف ابن مسعود : " صوافن " ، أي : معقلة قياما .
[ ص: 428 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
منصور ، عن
مجاهد : من قرأها " صوافن " قال : معقولة . ومن قرأها (
صواف ) قال : تصف بين يديها .
وقال
طاوس ، والحسن ، وغيرهما : " فاذكروا اسم الله عليها صوافي " يعني : خالصة لله عز وجل . وكذا رواه
مالك ، عن
الزهري .
وقال
عبد الرحمن بن زيد : " صوافي " : ليس فيها شرك كشرك الجاهلية لأصنامهم .
وقوله : (
فإذا وجبت جنوبها ) قال :
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : يعني : سقطت إلى الأرض .
وهو رواية عن
ابن عباس ، وكذا قال
مقاتل بن حيان .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : (
فإذا وجبت جنوبها ) يعني : نحرت .
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : (
فإذا وجبت جنوبها ) يعني : ماتت .
وهذا القول هو مراد
ابن عباس ومجاهد ، فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها . وقد جاء في حديث مرفوع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501277 " ولا تعجلوا النفوس أن تزهق " . وقد رواه
الثوري في جامعه ، عن
أيوب ، عن
يحيى ابن أبي كثير ، عن
فرافصة الحنفي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب; أنه قال ذلك ويؤيده حديث
شداد بن أوس في صحيح
مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822123 " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=397أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822124 " ما قطع من البهيمة وهي حية ، فهو ميتة " .
رواه
أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه .
وقوله : (
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) قال بعض السلف : قوله : (
فكلوا منها ) أمر إباحة .
وقال
مالك : يستحب ذلك . وقال غيره : يجب . وهو وجه لبعض
الشافعية . واختلف في المراد بالقانع والمعتر ، فقال
العوفي ، عن
ابن عباس : القانع : المستغني بما أعطيته ، وهو في بيته . والمعتر : الذي يتعرض لك ، ويلم بك أن تعطيه من اللحم ، ولا يسأل . وكذا قال
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي .
[ ص: 429 ]
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : القانع : المتعفف . والمعتر : السائل . وهذا قول
قتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، ومجاهد في رواية عنه .
وقال
ابن عباس ، وزيد بن أسلم وعكرمة ،
والحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=12861وابن الكلبي ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس : القانع : هو الذي يقنع إليك ويسألك . والمعتر : الذي يعتريك ، يتضرع ولا يسألك . وهذا لفظ
الحسن .
وقال
سعيد بن جبير : القانع : هو السائل ، ثم قال : أما سمعت قول
الشماخ .
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره ، أعف من القنوع
قال : يعني من السؤال ، وبه قال
ابن زيد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : القانع : المسكين الذي يطوف . والمعتر : الصديق والضعيف الذي يزور . وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد أيضا .
وعن
مجاهد أيضا : القانع : جارك الغني [ الذي يبصر ما يدخل بيتك ] والمعتر : الذي يعتريك من الناس .
وعنه : أن القانع : هو الطامع . والمعتر : هو الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير .
وعن
عكرمة نحوه ، وعنه القانع : أهل مكة .
واختار
ابن جرير أن القانع : هو السائل; لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال ، والمعتر من الاعترار ، وهو : الذي يتعرض لأكل اللحم .
وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن
الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء : فثلث لصاحبها يأكله [ منها ] ، وثلث يهديه لأصحابه ، وثلث يتصدق به على الفقراء; لأنه تعالى قال : (
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) . وفي الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501278أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس : " إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فكلوا وادخروا ما بدا لكم " وفي رواية : " فكلوا وادخروا وتصدقو ا " . وفي رواية : " فكلوا وأطعموا وتصدقو ا " .
والقول الثاني : إن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف ، لقوله في الآية المتقدمة : (
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) [ الحج : 28 ] ، ولقوله في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822125 " فكلوا وادخروا وتصدقوا " .
فإن أكل الكل فقيل : لا يضمن شيئا . وبه قال
ابن سريج من
الشافعية .
[ ص: 430 ]
وقال بعضهم : يضمنها كلها بمثلها أو قيمتها . وقيل : يضمن نصفها . وقيل : ثلثها . وقيل : أدنى جزء منها . وهو المشهور من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وأما الجلود ، ففي مسند
أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=361قتادة بن النعمان في حديث الأضاحي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822126 " فكلوا وتصدقوا ، واستمتعوا بجلودها ، ولا تبيعوها " .
ومن العلماء من رخص [ في ذلك ] ، ومنهم من قال : يقاسم الفقراء ثمنها ، والله أعلم .
[ مسألة ] .
عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822127 " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر . فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم [ عجله ] لأهله ، ليس من النسك في شيء " أخرجاه .
فلهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة من العلماء : إن أول وقت الأضحى إذا طلعت الشمس يوم النحر ، ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين . زاد
أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك ، لما جاء في صحيح
مسلم :
وألا تذبحوا حتى يذبح الإمام " .
وقال
أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوهم ، فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر ، إذ لا صلاة عيد عنده لهم . وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام ، والله أعلم .
ثم قيل : لا يشرع الذبح إلا يوم النحر وحده . وقيل : يوم النحر لأهل الأمصار ، لتيسر الأضاحي عندهم ، وأما أهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده ، وبه قال
سعيد بن جبير . وقيل : يوم النحر ، ويوم بعده للجميع . وقيل : ويومان بعده ، وبه قال
أحمد . وقيل : يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي; لحديث
جبير بن مطعم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825776 " وأيام التشريق كلها ذبح " . رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان .
وقيل : إن
وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة بن عبد الرحمن . وهو قول غريب .
وقوله : (
كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ) : يقول تعالى : من أجل هذا (
سخرناها لكم ) أي : ذللناها لكم ، أي : جعلناها منقادة لكم خاضعة ، إن شئتم ركبتم ، وإن شئتم حلبتم ، وإن شئتم ذبحتم ، كما قال تعالى : (
أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون .
وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون .
ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ) [ يس : 71 73 ] ،
[ ص: 431 ] وقال في هذه الآية الكريمة : (
كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون )