(
وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ( 42 )
وقوم إبراهيم وقوم لوط ( 43 )
وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( 44 )
فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( 45 )
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ( 46 ) ) .
يقول تعالى مسليا نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم في تكذيب من خالفه من قومه : (
وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح ) إلى أن قال : (
وكذب موسى ) أي : مع ما جاء به من الآيات البينات والدلائل الواضحات .
(
فأمليت للكافرين ) أي : أنظرتهم وأخرتهم ، (
ثم أخذتهم فكيف كان نكير ) أي : فكيف كان إنكاري عليهم ، ومعاقبتي لهم؟!
ذكر بعض السلف أنه كان بين قول
فرعون لقومه : (
أنا ربكم الأعلى ) [ النازعات : 24 ] ، وبين إهلاك الله له أربعون سنة .
وفي الصحيحين عن
أبي موسى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821658 " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
[ ص: 438 ]
ثم قال تعالى : (
فكأين من قرية أهلكناها ) أي : كم من قرية أهلكتها (
وهي ظالمة ) ] أي : مكذبة لرسولها ، (
فهي خاوية على عروشها ) قال الضحاك : سقوفها ، أي : قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها .
(
وبئر معطلة ) أي : لا يستقى منها ، ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها .
(
وقصر مشيد ) قال
عكرمة : يعني المبيض بالجص .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وأبي المليح ، والضحاك ، نحو ذلك .
وقال آخرون : هو المنيف المرتفع .
وقال آخرون : الشديد المنيع الحصين .
وكل هذه الأقوال متقاربة ، ولا منافاة بينها ، فإنه لم يحم أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ، ولا إحكامه ولا حصانته ، عن حلول بأس الله بهم ، كما قال تعالى : (
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) [ النساء : 78 ] .
وقوله : (
أفلم يسيروا في الأرض ) أي : بأبدانهم وبفكرهم أيضا ، وذلك كاف ، كما قال
ابن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " :
حدثنا
هارون بن عبد الله ، حدثنا
سيار ، حدثنا
جعفر ، حدثنا
مالك بن دينار قال : أوحى الله تعالى إلى
موسى ، عليه السلام ، أن يا
موسى ، اتخذ نعلين من حديد وعصا ، ثم سح في الأرض ، واطلب الآثار والعبر ، حتى تتخرق النعلان وتكسر العصا .
وقال
ابن أبي الدنيا : قال بعض الحكماء : أحي قلبك بالمواعظ ، ونوره بالفكر ، وموته بالزهد ، وقوه باليقين ، وذلله بالموت ، وقرره بالفناء ، وبصره فجائع الدنيا ، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام ، واعرض عليه أخبار الماضين ، وذكره ما أصاب من كان قبله ، وسر في ديارهم وآثارهم ، وانظر ما فعلوا ، وأين حلوا ، وعم انقلبوا .
أي : فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال (
فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) أي : فيعتبرون بها ، (
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) أي : ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ، ولا تدري ما الخبر . وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى وهو
أبو محمد عبد الله بن محمد ابن سارة الأندلسي الشنتريني ، وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة :
[ ص: 439 ] يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد نادى به الناعيان : الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ، ففيم ترى
في رأسك الواعيان : السمع والبصر؟ ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل
لم يهده الهاديان : العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ، ولا الفلك ال
أعلى ولا النيران : الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا ، وإن كرها
فراقها الثاويان : البدو والحضر