[ ص: 5 ] سورة النور وهي مدنية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ( 1 )
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( 2 ) )
يقول تعالى : هذه (
سورة أنزلناها ) فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها .
( وفرضناها ) قال
مجاهد وقتادة : أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي ، والحدود .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ومن قرأ " فرضناها " يقول : فرضنا عليكم وعلى من بعدكم .
(
وأنزلنا فيها آيات بينات ) أي : مفسرات واضحات ، ( لعلكم تذكرون ) .
ثم قال تعالى : (
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) هذه الآية الكريمة فيها
حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع; فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا ، وهو الذي لم يتزوج ، أو محصنا ، وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح ، وهو حر بالغ عاقل . فأما إذا كان بكرا لم يتزوج ، فإن حده مائة جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يغرب عاما [ عن بلده ] عند جمهور العلماء ، خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة ، رحمه الله; فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام ، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب .
وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين ، من رواية
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ، nindex.php?page=hadith&LINKID=825809في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما : يا رسول الله ، إن ابني كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته ، فافتديت [ ابني [ منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم ، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام . واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " . فغدا عليها فاعترفت ، فرجمها .
ففي هذا دلالة على
تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ، فأما إن كان محصنا فإنه يرجم ، كما قال الإمام
مالك :
[ ص: 6 ]
حدثني
ابن شهاب ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن
ابن عباس أخبره أن
عمر ، رضي الله عنه ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فإن الله بعث
محمدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو الحبل ، أو الاعتراف .
أخرجاه في الصحيحين من حديث
مالك مطولا وهذا قطعة منه ، فيها مقصودنا هاهنا .
وروى الإمام
أحمد ، عن
هشيم ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله ، عن
ابن عباس : حدثني
عبد الرحمن بن عوف; nindex.php?page=hadith&LINKID=822177أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول : ألا وإن أناسا يقولون : ما بال الرجم؟ في كتاب الله الجلد . وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . ولولا أن يقول قائلون - أو يتكلم متكلمون - أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت .
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، من حديث
عبيد الله بن عبد الله ، به .
وقد روى
أحمد أيضا ، عن
هشيم ، عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822178خطب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال : لا تخدعن عنه; فإنه حد من حدود الله ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده ، ولولا أن يقول قائلون : زاد عمر في كتاب الله ما ليس فيه ، لكتبت في ناحية من المصحف : وشهد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، وفلان وفلان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده . ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا .
وروى
أحمد أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان ، عن
يحيى الأنصاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم .
الحديث رواه
الترمذي ، من حديث
سعيد ، عن
عمر ، وقال : صحيح .
وقال الحافظ
أبو يعلى الموصلي : حدثنا
عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، حدثنا
ابن عون ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد - هو ابن سيرين - قال : نبئت عن
كثير بن الصلت قال : كنا عند
[ ص: 7 ] مروان وفينا
زيد ، فقال
زيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825810كنا نقرأ : " والشيخ والشيخة فارجموهما البتة " . قال مروان : ألا كتبتها في المصحف؟ قال : ذكرنا ذلك وفينا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك . قال : قلنا : فكيف؟ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فذكر كذا وكذا ، وذكر الرجم ، فقال : يا رسول الله ، أكتبني آية الرجم : قال : " لا أستطيع الآن " . هذا أو نحو ذلك .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، عن
غندر ، عن
شعبة ، عن
قتادة ، عن
يونس بن جبير ، عن
كثير بن الصلت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، به .
وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها ، وبقي حكمها معمولا به ، ولله الحمد .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة ، وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير . ورجم النبي صلى الله عليه وسلم
ماعزا والغامدية . وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم . وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ ، بالاقتصار على رجمهم ، وليس فيها ذكر الجلد; ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب
أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، رحمهم الله . وذهب الإمام
أحمد ، رحمه الله ، إلى أنه يجب أن
يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة ، كما روي ، عن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه لما أتي
بشراحة وكانت قد زنت وهي محصنة ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روى الإمام
أحمد ومسلم ، وأهل السنن الأربعة ، من حديث
قتادة ، عن
الحسن ، عن
حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن
عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822179 " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر ، جلد مائة وتغريب سنة والثيب بالثيب ، جلد مائة والرجم " .
وقوله : (
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) أي : في حكم الله . لا ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله ، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية [ ألا تكون حاصلة ] على ترك الحد ، [ وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد ] فلا يجوز ذلك .
قال
مجاهد : (
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال : إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان ، فتقام ولا تعطل . وكذا روي عن
سعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح . وقد جاء في الحديث :
[ ص: 8 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=822180 " تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب " . وفي الحديث الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822181 " لحد يقام في الأرض ، خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " .
وقيل : المراد : (
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) فلا تقيموا الحد كما ينبغي ، من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ، وليس المراد الضرب المبرح .
قال
عامر الشعبي : (
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال : رحمة في شدة الضرب . وقال
عطاء : ضرب ليس بالمبرح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان : يجلد القاذف وعليه ثيابه ، والزاني تخلع ثيابه ، ثم تلا (
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) فقلت : هذا في الحكم؟ قال : هذا في الحكم والجلد - يعني في إقامة الحد ، وفي شدة الضرب .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
نافع ، [ عن ]
ابن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ، عن
عبيد الله بن عبد الله بن عمر : أن جارية
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر زنت ، فضرب رجليها - قال
نافع : أراه قال : وظهرها - قال : قلت : (
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال : يا بني ، ورأيتني أخذتني بها رأفة؟ إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجعل جلدها في رأسها ، وقد أوجعت حيث ضربت .
وقوله : (
إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي : فافعلوا ذلك : أقيموا الحدود على من زنى ، وشددوا عليه الضرب ، ولكن ليس مبرحا; ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك . وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825811يا رسول الله ، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، فقال : " ولك في ذلك أجر " .
وقوله : (
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) : هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس ، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما ، وأنجع في ردعهما ، فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري في قوله : (
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) يعني : علانية .
ثم قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) الطائفة : الرجل فما فوقه .
وقال
مجاهد : الطائفة : رجل إلى الألف . وكذا قال
عكرمة; ولهذا قال
أحمد : إن الطائفة تصدق على واحد .
وقال
عطاء بن أبي رباح : اثنان . وبه قال
إسحاق بن راهويه . وكذا قال
سعيد بن جبير : (
طائفة من المؤمنين ) قال : يعني : رجلين فصاعدا .
[ ص: 9 ]
وقال
الزهري : ثلاثة نفر فصاعدا .
وقال
عبد الرزاق : حدثني
ابن وهب ، عن الإمام
مالك في قوله : (
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) قال : الطائفة : أربعة نفر فصاعدا; لأنه لا يكون شهادة في الزنى دون أربعة شهداء فصاعدا . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال
ربيعة : خمسة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : عشرة . وقال
قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، أي : نفر من المسلمين; ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
يحيى بن عثمان ، حدثنا
بقية قال : سمعت
نصر بن علقمة في قوله : (
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) قال : ليس ذلك للفضيحة ، إنما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة .