(
وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( 7 )
أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( 8 )
انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( 9 )
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( 10 )
بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( 11 )
إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( 12 )
وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( 13 )
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ( 14 ) ) .
[ ص: 95 ] يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم ، وإنما تعللوا بقولهم : (
مال هذا الرسول يأكل الطعام ) ، يعنون : كما نأكله ، ويحتاج إليه كما نحتاج إليه ، (
ويمشي في الأسواق ) أي : يتردد فيها وإليها طلبا للتكسب والتجارة ، (
لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ) يقولون : هلا أنزل إليه ملك من عند الله ، فيكون له شاهدا على صدق ما يدعيه! وهذا كما قال
فرعون : (
فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ) [ الزخرف : 53 ] . وكذلك قال هؤلاء على السواء ، تشابهت قلوبهم; ولهذا قال : (
أو يلقى إليه كنز ) أي : علم كنز [ يكون ] ينفق منه ، (
أو تكون له جنة يأكل منها ) أي : تسير معه حيث سار . وهذا كله سهل يسير على الله ، ولكن له الحكمة في ترك ذلك ، وله الحجة البالغة (
وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) .
قال الله تعالى : (
انظر كيف ضربوا لك الأمثال ) أي : جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك ، من قولهم " ساحر ، مسحور ، مجنون ، كذاب ، شاعر " وكلها أقوال باطلة ، كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك; ولهذا قال : ( فضلوا ) أي : عن طريق الهدى ، (
فلا يستطيعون سبيلا ) وذلك لأن كل من خرج عن الحق فإنه ضال حيثما توجه; لأن الحق واحد ومنهج متحد ، يصدق بعضه بعضا .
ثم قال تعالى مخبرا نبيه أنه لو شاء لآتاه خيرا مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن ، فقال [ تعالى ] (
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ) .
قال
مجاهد : يعني : في الدنيا ، قال :
وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصرا ، سواء كان كبيرا أو صغيرا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
حبيب بن أبي ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15848خيثمة ;
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك ، ولا يعطى أحد من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله؟ فقال : اجمعوها لي في الآخرة ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ) .
[ ص: 96 ]
وقوله : (
بل كذبوا بالساعة ) أي : إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيبا وعنادا ، لا أنهم يطلبون ذلك تبصرا واسترشادا ، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال ، ( وأعتدنا ) أي : وأرصدنا (
لمن كذب بالساعة سعيرا ) أي : عذابا أليما حارا لا يطاق في نار جهنم .
وقال
الثوري ، عن
سلمة بن كهيل ، عن
سعيد بن جبير : " السعير " : واد من قيح جهنم .
وقوله : (
إذا رأتهم ) أي : جهنم (
من مكان بعيد ) يعني : في مقام المحشر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : من مسيرة مائة عام (
سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) أي : حنقا عليهم ، كما قال تعالى : (
إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ ) [ الملك : 7 ، 8 ] أي : يكاد ينفصل بعضها من بعض; من شدة غيظها على من كفر بالله .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
إدريس بن حاتم بن الأخيف الواسطي : أنه سمع
محمد بن الحسن الواسطي ، عن
أصبغ بن زيد ، عن
خالد بن كثير ، عن
خالد بن دريك ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825843 " من يقل علي ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ [ مقعده من النار " . وفي رواية : " فليتبوأ ] بين عيني جهنم مقعدا " قيل : يا رسول الله ، وهل لها من عينين؟ قال : " أما سمعتم الله يقول : ( إذا رأتهم من مكان بعيد ) الآية .
ورواه
ابن جرير ، عن
محمد بن خداش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15471محمد بن يزيد الواسطي ، به .
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14714علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا
أبو بكر بن عياش ، عن
عيسى بن سليم ، عن
أبي وائل قال : خرجنا مع
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني : ابن مسعود - ومعنا
الربيع بن خثيم فمروا على حداد ، فقام
عبد الله ينظر إلى حديدة في النار ، ونظر
الربيع بن خثيم إليها فتمايل ليسقط ، فمر
عبد الله على أتون على
شاطئ الفرات ، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية : (
إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) فصعق - يعني :
الربيع بن خثيم - فحملوه إلى أهل بيته ورابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق ، رضي الله عنه .
وحدثنا أبي : حدثنا
عبد الله بن رجاء ، حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قال : إن العبد ليجر إلى النار ، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف .
[ ص: 97 ]
هكذا رواه
ابن أبي حاتم مختصرا ، وقد رواه
الإمام أبو جعفر بن جرير :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12218أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، أخبرنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قال : إن الرجل ليجر إلى النار ، فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن : ما لك؟ قالت : إنه يستجير مني . فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار ، فيقول : يا رب ، ما كان هذا الظن بك؟ فيقول : فما كان ظنك؟ فيقول : أن تسعني رحمتك . فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار ، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . وهذا إسناد صحيح .
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير في قوله : (
سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) قال : إن جهنم تزفر زفرة ، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه ، حتى إن
إبراهيم عليه السلام ، ليجثو على ركبتيه ويقول : رب ، لا أسألك اليوم إلا نفسي .
وقوله : (
وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا ) قال
قتادة ، عن
أبي أيوب ، عن
عبد الله بن عمرو قال : مثل الزج في الرمح أي : من ضيقه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب : أخبرني
نافع بن يزيد ، عن
يحيى بن أبي أسيد - يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن قول الله (
وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين ) قال :
" والذي نفسي بيده ، إنهم ليستكرهون في النار ، كما يستكره الوتد في الحائط " .
وقوله (
مقرنين ) قال أبو صالح : يعني مكتفين : (
دعوا هنالك ثبورا ) أي : بالويل والحسرة والخيبة . (
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عفان ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
علي بن زيد عن
أنس بن مالك; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822281 " أول من يكسى حلة من النار إبليس ، فيضعها على حاجبيه ، ويسحبها من خلفه ، وذريته من بعده ، وهو ينادي : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم . حتى يقفوا على النار ، فيقول : يا ثبوراه . ويقولون : يا ثبورهم . فيقال لهم : لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ، وادعوا ثبورا كثيرا " .
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، ورواه
ابن أبي حاتم ، عن
أحمد بن سنان ، عن
عفان ، به : ورواه
ابن جرير ، من حديث
حماد بن سلمة به .
[ ص: 98 ]
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس في قوله : (
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) أي : لا تدعوا اليوم ويلا واحدا ، وادعوا ويلا كثيرا .
وقال
الضحاك : الثبور : الهلاك .
والأظهر : أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار ، كما قال
موسى لفرعون : (
وإني لأظنك يافرعون مثبورا ) [ الإسراء : 102 ] أي : هالكا . وقال
عبد الله بن الزبعرى :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي ي ، ومن مال ميله مثبور