[ ص: 135 ] بسم الله الرحمن الرحيم ، سورة الشعراء وهي مكية . ووقع في تفسير
مالك المروي عنه تسميتها : سورة الجامعة .
(
طسم ( 1 )
تلك آيات الكتاب المبين ( 2 )
لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ( 3 )
إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ( 4 )
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ( 5 )
فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ( 6 )
أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ( 7 )
إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( 8 )
وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( 9 ) ) .
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور ، فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة .
وقوله : (
تلك آيات الكتاب المبين ) أي : هذه آيات القرآن المبين ، أي : البين الواضح ، الذي يفصل بين الحق والباطل ، والغي والرشاد .
وقوله : (
لعلك باخع ) أي : مهلك (
نفسك ) أي : مما تحرص [ عليهم ] وتحزن عليهم (
ألا يكونوا مؤمنين ) ، وهذه تسلية من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار ، كما قال تعالى : (
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ فاطر : 8 ] ، وقال : (
فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) [ الكهف : 6 ] .
قال
مجاهد ،
وعكرمة ،
والحسن ،
وقتادة ،
وعطية ،
والضحاك : (
لعلك باخع نفسك ) أي : قاتل نفسك . قال الشاعر
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
ثم قال الله تعالى : (
إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ) أي : لو شئنا لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهرا ، ولكنا لا نفعل ذلك; لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري; وقال تعالى : (
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) [ يونس : 99 ] ، وقال : (
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) [ هود : 118 ، 119 ] ، فنفذ قدره ، ومضت حكمته ، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم .
[ ص: 136 ]
ثم قال : (
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ) أي : كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس ، كما قال : (
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، وقال : (
ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) [ يس : 30 ] ، وقال : (
ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون ) [ المؤمنون : 44 ] ; ولهذا قال تعالى هاهنا : (
فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ) أي : فقد كذبوا بما جاءهم من الحق ، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين ، (
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) [ الشعراء : 227 ] .
ثم نبه تعالى على عظمته في سلطانه وجلالة قدره وشأنه ، الذين اجترؤوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه ، وهو القاهر العظيم القادر ، الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم ، من زروع وثمار وحيوان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن رجل ، عن
الشعبي : الناس من نبات الأرض ، فمن دخل الجنة فهو كريم ، ومن دخل النار فهو لئيم .
(
إن في ذلك لآية ) أي : دلالة على
قدرة الخالق للأشياء ، الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء ، ومع هذا ما آمن أكثر الناس ، بل كذبوا به وبرسله وكتبه ، وخالفوا أمره وارتكبوا زواجره .
وقوله : (
وإن ربك لهو العزيز ) أي : الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، ( الرحيم ) أي : بخلقه ،
فلا يعجل على من عصاه ، بل ينظره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر .
قال
أبو العالية ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
و [ محمد ] بن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره .
وقال
سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب إليه وأناب .