[ ص: 203 ] (
أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ( 61 ) ) .
يقول : (
أمن جعل الأرض قرارا ) أي : قارة ساكنة ثابتة ، لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم ، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة ، بل جعلها من فضله ورحمته مهادا بساطا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك ، كما قال في الآية الأخرى : (
الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ) [ غافر : 64 ] .
(
وجعل خلالها أنهارا ) أي : جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة تشقها في خلالها ، وصرفها فيها ما بين أنهار كبار وصغار وبين ذلك ، وسيرها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم حيث ذرأهم في أرجاء الأرض ، سير لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه ، (
وجعل لها رواسي ) أي : جبالا شامخة ترسي الأرض وتثبتها ; لئلا تميد بكم (
وجعل بين البحرين حاجزا ) أي : جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزا ، أي : مانعا يمنعها من الاختلاط ، لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا ، فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه ، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس . والمقصود منها : أن تكون عذبة زلالا يسقى الحيوان والنبات والثمار منها . والبحار المالحة هي المحيطة بالأرجاء والأقطار من كل جانب ، والمقصود منها : أن يكون ماؤها ملحا أجاجا ، لئلا يفسد الهواء بريحها ، كما قال تعالى : (
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) [ الفرقان : 53 ] ; ولهذا قال : (
أإله مع الله ) أي : فعل هذا ؟ أو يعبد على القول الأول والآخر ؟ وكلاهما متلازم صحيح ، (
بل أكثرهم لا يعلمون ) أي : في عبادتهم غيره .