[ ص: 207 ] (
قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ( 65 )
بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ( 66 ) ) .
يقول تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول معلما لجميع الخلق : أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب . وقوله : (
إلا الله ) استثناء منقطع ، أي : لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل ، فإنه المنفرد بذلك وحده ، لا شريك له ، كما قال : (
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) الآية [ الأنعام : 59 ] ، وقال : (
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) [ لقمان : 34 ] ، والآيات في هذا كثيرة .
وقوله : (
وما يشعرون أيان يبعثون ) أي : وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة ، كما قال : (
ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ) [ الأعراف : 187 ] ، أي : ثقل علمها على أهل السموات والأرض .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
علي بن الجعد ، حدثنا
أبو جعفر الرازي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي ، عن
مسروق ، عن
عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : من زعم أنه يعلم - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ; لأن الله تعالى يقول : (
لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) .
وقال
قتادة : إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصلات : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدى بها ، وجعلها رجوما [ للشياطين ] ، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به . وإن ناسا جهلة بأمر الله ، قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة : من أعرس بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ومن سافر بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ومن ولد بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود ، والقصير والطويل ، والحسن والدميم ، وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب! وقضى الله : أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ، وما يشعرون أيان يبعثون .
رواه
ابن أبي حاتم عنه بحروفه ، وهو كلام جليل متين صحيح .
وقوله : (
بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها ) أي : انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها .
وقرأ آخرون : " بل أدرك علمهم " ، أي : تساوى علمهم في ذلك ، كما في الصحيح
لمسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501291أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل - وقد سأله عن وقت الساعة - ما المسؤول عنها بأعلم من السائل أي : تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسؤول والسائل .
[ ص: 208 ]
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
بل ادارك علمهم في الآخرة ) أي : غاب .
وقال
قتادة : (
بل ادارك علمهم في الآخرة ) يعني : يجهلهم ربهم ، يقول : لم ينفذ لهم إلى الآخرة علم ، هذا قول .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس : " بل أدرك علمهم في الآخرة " حين لم ينفع العلم ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : أن علمهم إنما يدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك ، كما قال تعالى : (
أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ) [ مريم : 38 ] .
وقال
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد ، عن
الحسن أنه كان يقرأ : " بل أدرك علمهم " قال : اضمحل علمهم في الدنيا ، حين عاينوا الآخرة .
وقوله : (
بل هم في شك منها ) عائد على الجنس ، والمراد الكافرون ، كما قال تعالى : (
وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) [ الكهف : 48 ] أي : الكافرون منكم . وهكذا قال هاهنا : (
بل هم في شك منها ) أي : شاكون في وجودها ووقوعها ، (
بل هم منها عمون ) أي : في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها .