[ ص: 216 ] (
ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ( 87 )
وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ( 88 )
من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ( 89 )
ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ( 90 ) ) .
يخبر تعالى عن هول يوم نفخة الفزع في الصور ، وهو كما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821965 " قرن ينفخ فيه " . وفي حديث ( الصور ) أن
إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر الله تعالى ، فينفخ فيه أولا نفخة الفزع ويطولها ، وذلك في آخر عمر الدنيا ، حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء ، فيفزع من في السموات ومن في الأرض (
إلا من شاء الله ) ، وهم الشهداء ، فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون .
قال
الإمام مسلم بن الحجاج : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16526عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا
شعبة ، عن
النعمان بن سالم : سمعت
يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي ، سمعت
عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه ، وجاءه رجل فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث أن الساعة تقوم إلى كذا وكذا ؟ فقال : سبحان الله - أو : لا إله إلا الله - أو كلمة نحوهما - لقد هممت ألا أحدث أحدا شيئا أبدا ، إنما قلت : إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما يخرب البيت ، ويكون ويكون . ثم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822342 " يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين - [ لا أدري أربعين ] يوما ، أو أربعين شهرا ، أو أربعين عاما - فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه . ثم يمكث الناس سبع سنين ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدهم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه " . قال : سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822343 " فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون ؟ فيقولون : فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان ، وهم في ذلك دار رزقهم ، حسن عيشهم . ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا [ ورفع ليتا ] . قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822344وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله " . قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822345فيصعق ويصعق الناس ، ثم يرسل الله - أو قال : ينزل الله مطرا كأنه الطل - أو قال : الظل - نعمان الشاك - فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . ثم يقال : يا أيها الناس ، هلموا إلى ربكم ، وقفوهم إنهم مسئولون . ثم يقال : أخرجوا بعث النار . فيقال : من كم ؟ فيقال : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين " . قال : " فذلك يوم يجعل الولدان شيبا ، وذلك يوم يكشف عن ساق " .
وقوله : ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا " الليت : هو صفحة العنق ، أي : أمال عنقه ليستمعه من السماء جيدا .
فهذه نفخة الفزع . ثم بعد ذلك نفخة الصعق ، وهو الموت . ثم بعد ذلك نفخة القيام لرب العالمين ، وهو النشور من القبور لجميع الخلائق ; ولهذا قال : (
وكل أتوه داخرين ) - قرئ بالمد ، وبغيره على الفعل ، وكل بمعنى واحد - و (
داخرين ) أي : صاغرين مطيعين ، لا يتخلف أحد
[ ص: 217 ] عن أمره ، كما قال تعالى : (
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) [ الإسراء : 52 ] ، وقال (
ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) [ الروم : 25 ] . وفي حديث الصور :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826814أنه في النفخة الثالثة يأمر الله الأرواح ، فتوضع في ثقب في الصور ، ثم ينفخ إسرافيل فيه بعدما تنبت الأجساد في قبورها وأماكنها ، فإذا نفخ في الصور طارت الأرواح ، تتوهج أرواح المؤمنين نورا ، وأرواح الكافرين ظلمة ، فيقول الله ، عز وجل : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها . فتجيء الأرواح إلى أجسادها ، فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ ، ثم يقومون فينفضون التراب من قبورهم ، قال الله تعالى : (
يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ) [ المعارج : 43 ] .
وقوله : (
وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) أي : تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب ، أي : تزول عن أماكنها ، كما قال تعالى : (
يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ) [ الطور : 9 ، 10 ] ، وقال (
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) [ طه : 105 ، 107 ] ، وقال تعالى : (
ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) [ الكهف : 47 ] .
وقوله : (
صنع الله الذي أتقن كل شيء ) أي : يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كل ما خلق ، وأودع فيه من الحكمة ما أودع ، (
إنه خبير بما تفعلون ) أي : هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر فيجازيهم عليه .
ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال : (
من جاء بالحسنة فله خير منها ) - قال
قتادة : بالإخلاص . وقال
زين العابدين : هي لا إله إلا الله - وقد بين في المكان الآخر أن له عشر أمثالها (
وهم من فزع يومئذ آمنون ) ، كما قال في الآية الأخرى : (
لا يحزنهم الفزع الأكبر ) [ الأنبياء : 103 ] ، وقال : (
أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) [ فصلت : 40 ] ، وقال : (
وهم في الغرفات آمنون ) [ سبأ : 37 ] .
وقوله : (
ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ) أي : من لقي الله مسيئا لا حسنة له ، أو : قد رجحت سيئاته على حسناته ، كل بحسبه ; ولهذا قال : (
هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) .
وقال
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، رضي الله عنهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وعكرمة ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبو وائل ،
nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب ،
وزيد بن أسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=14468، والسدي ،
والضحاك ،
والحسن ، وقتادة ،
وابن زيد ، في قوله : (
ومن جاء بالسيئة ) يعني : بالشرك .