[ ص: 218 ] (
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ( 91 )
وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ( 92 )
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ( 93 ) ) .
يقول تعالى مخبرا رسوله وآمرا له أن يقول : (
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء ) ، كما قال : (
قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) [ يونس : 104 ] .
وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والاعتناء بها ، كما قال : (
فليعبدوا رب هذا البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) [ قريش : 3 ، 4 ] .
وقوله : (
الذي حرمها ) أي : الذي إنما صارت حراما قدرا وشرعا بتحريمه لها ، كما ثبت في الصحيحين عن
ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح
مكة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822346 " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها " الحديث بتمامه . وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع ، كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام ، ولله الحمد .
وقوله : (
وله كل شيء ) : من باب عطف العام على الخاص ، أي : هو رب هذه البلدة ، ورب كل شيء ومليكه ، (
وأمرت أن أكون من المسلمين ) أي : الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له .
وقوله : (
وأن أتلو القرآن ) أي : على الناس أبلغهم إياه ، كقوله : (
ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ) [ آل عمران : 58 ] ، وكقوله : (
نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ) [ القصص : 3 ] أي : أنا مبلغ ومنذر ، (
فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ) أي : لي سوية الرسل الذين أنذروا قومهم ، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم ، وخلصوا من عهدتهم ، وحساب أممهم على الله ، كقوله تعالى : (
فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] ، وقال : (
إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) [ هود : 12 ] .
(
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ) ، أي : لله الحمد الذي لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة
[ ص: 219 ] عليه ، والإعذار إليه ; ولهذا قال : (
سيريكم آياته فتعرفونها ) كما قال تعالى : (
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) [ فصلت : 53 ] .
وقوله : (
وما ربك بغافل عما تعملون ) أي : بل هو شهيد على كل شيء .
قال
ابن أبي حاتم : ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14181أبي عمر الحوضي حفص بن عمر : حدثنا
أبو أمية بن يعلى الثقفي ، حدثنا
سعيد بن أبي سعيد ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" يا أيها الناس ، لا يغترن أحدكم بالله ; فإن الله لو كان غافلا شيئا لأغفل البعوضة والخردلة والذرة " .
[ قال أيضا ] : حدثنا
محمد بن يحيى ، حدثنا
نصر بن علي ، قال أبي : أخبرني
خالد بن قيس ، عن
مطر ، عن
عمر بن عبد العزيز قال : فلو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم .
وقد ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، رحمه الله ، أنه كان ينشد هذين البيتين ، إما له أو لغيره :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب