(
وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين ( 38 )
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ( 39 )
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( 40 )
وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ( 41 )
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ( 42 ) ) .
[ ص: 238 ] يخبر تعالى عن كفر
فرعون وطغيانه وافترائه في دعوى الإلهية لنفسه القبيحة - لعنه الله - كما قال تعالى : (
فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) [ الزخرف : 54 ] ، وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية ، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم ; ولهذا قال : (
ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ) ، [ و ] قال تعالى إخبارا عنه : (
فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) [ النازعات : 23 - 26 ] يعني : أنه جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي مصرحا لهم بذلك ، فأجابوه سامعين مطيعين . ولهذا انتقم الله تعالى منه ، فجعله عبرة لغيره في الدنيا والآخرة ، وحتى إنه واجه
موسى الكليم بذلك فقال : (
لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) [ الشعراء : 29 ] .
وقوله : (
فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ) أي : أمر وزيره
هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين ، ليتخذ له آجرا لبناء الصرح ، وهو القصر المنيف الرفيع - كما قال في الآية الأخرى : (
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ) [ غافر : 36 ، 37 ] ، وذلك لأن
فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ير في الدنيا بناء أعلى منه ، إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب
موسى فيما زعمه من دعوى إله غير
فرعون ; ولهذا قال : (
وإني لأظنه من الكاذبين ) أي : في قوله إن ثم ربا غيري ، لا أنه كذبه في أن الله أرسله ; لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع ، فإنه قال : (
وما رب العالمين ) [ الشعراء : 23 ] وقال : (
لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) [ الشعراء : 29 ] وقال : (
يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ) وهذا قول
ابن جرير .
وقوله : (
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ) أي : طغوا وتجبروا ، وأكثروا في الأرض الفساد ، واعتقدوا أنه لا معاد ولا قيامة ، (
فصب عليهم ربك سوط عذاب . إن ربك لبالمرصاد ) [ الفجر : 13 ، 14 ] ، ولهذا قال هاهنا : (
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) أي : أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة ، فلم يبق منهم أحد (
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) أي : لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم ، في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع ، (
ويوم القيامة لا ينصرون ) أي : فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولا بذل الآخرة ، كما قال تعالى : (
أهلكناهم فلا ناصر لهم ) [ محمد : 13 ]
وقوله : (
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ) أي : وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم
فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين رسله ، وكما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك ، (
ويوم القيامة هم من المقبوحين ) . قال
قتادة : وهذه الآية كقوله تعالى : (
وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) [ هود : 99 ] .