(
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( 56 )
وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 57 ) ) .
[ ص: 246 ] يقول تعالى لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه : إنك يا
محمد (
إنك لا تهدي من أحببت ) أي : ليس إليك ذلك ، إنما عليك البلاغ ، والله يهدي من يشاء ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ، كما قال تعالى : (
ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] ، وقال : (
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] .
وهذه الآية أخص من هذا كله ; فإنه قال : (
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) أي : هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ، وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في
أبي طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يحوطه وينصره ، ويقوم في صفه ويحبه حبا [ شديدا ] طبعيا لا شرعيا ، فلما حضرته الوفاة وحان أجله ، دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإيمان والدخول في الإسلام ، فسبق القدر فيه ، واختطف من يده ، فاستمر على ما كان عليه من الكفر ، ولله الحكمة التامة .
قال
الزهري : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن أبيه - وهو
المسيب بن حزن المخزومي ، رضي الله عنه - قال : لما حضرت
أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده
أبا جهل بن هشام ،
وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822354 " يا عم ، قل : لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله " . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ، ويعودان له بتلك المقالة ، حتى قال آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب . وأبى أن يقول : لا إله إلا الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " . فأنزل الله عز وجل : (
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) [ التوبة : 113 ] ، وأنزل في
أبي طالب : (
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .
أخرجاه من حديث
الزهري . وهكذا رواه
مسلم في صحيحه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، من حديث
يزيد بن كيسان ، عن
أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : لما حضرت
وفاة أبي طالب أتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822355 " يا عماه ، قل : لا إله إلا الله ، أشهد لك بها يوم القيامة " . فقال : لولا أن تعيرني بها قريش ، يقولون : ما حمله عليه إلا جزع الموت ، لأقررت بها عينك ، لا أقولها إلا لأقر بها عينك . فأنزل الله : (
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) . وقال
الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث
يزيد بن كيسان .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان ، عن
يزيد بن كيسان ، حدثني
أبو حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، فذكره بنحوه .
[ ص: 247 ]
وهكذا قال
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، وقتادة : إنها نزلت في
أبي طالب حين عرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822356 " لا إله إلا الله " فأبى عليه ذلك ، وقال : أي ابن أخي ، ملة الأشياخ . وكان آخر ما قال : هو على ملة
عبد المطلب .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
أبو سلمة ، حدثنا
حماد بن سلمة ، حدثنا
عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن
سعيد بن أبي راشد قال : كان رسول
قيصر جاء إلي قال : كتب معي
قيصر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا ، فأتيته فدفعت الكتاب ، فوضعه في حجره ، ثم قال : " ممن الرجل ؟ " قلت : من تنوخ . قال : " هل لك في دين أبيك
إبراهيم الحنيفية ؟ " قلت : إني رسول قوم ، وعلى دينهم حتى أرجع إليهم . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونظر إلى أصحابه وقال : (
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .
وقوله : (
وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) : [ يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) ] أي : نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين ، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ، ويتخطفونا أينما كنا ، فقال الله تعالى مجيبا لهم : (
أولم نمكن لهم حرما آمنا ) يعني : هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل ; لأن الله جعلهم في بلد أمين ، وحرم معظم آمن منذ وضع ، فكيف يكون هذا الحرم آمنا في حال كفرهم وشركهم ، ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ .
وقوله : (
يجبى إليه ثمرات كل شيء ) أي : من سائر الثمار مما حوله من
الطائف وغيره ، وكذلك المتاجر والأمتعة (
رزقا من لدنا ) أي : من عندنا (
ولكن أكثرهم لا يعلمون ) فلهذا قالوا ما قالوا .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : أنبأنا
الحسن بن محمد ، حدثنا
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة قال : قال
عمرو بن شعيب ، عن
ابن عباس - ولم يسمعه منه - : أن
الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال : (
إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) .