(
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ( 81 )
وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ( 82 ) )
[ ص: 256 ] لما ذكر تعالى اختيال
قارون في زينته ، وفخره على قومه وبغيه عليهم ، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض ، كما ثبت في الصحيح - عند
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
الزهري ، عن
سالم - أن أباه حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822359 " بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " .
ثم رواه من حديث
جرير بن زيد ، عن
سالم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص ، حدثنا
الأعمش ، عن
عطية ، عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822360 " بينا رجل فيمن كان قبلكم ، خرج في بردين أخضرين يختال فيهما ، أمر الله الأرض فأخذته ، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة " . تفرد به
أحمد ، وإسناده حسن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12201الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا
أبو خيثمة ، حدثنا
أبو معلى بن منصور ، أخبرني
محمد بن مسلم ، سمعت
زيادا النميري يحدث عن
أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822361 " بينا رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما ، فأمر الله الأرض فأخذته ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " .
وقد ذكر
[ الحافظ ] محمد بن المنذر - شكر - في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن
نوفل بن مساحق قال : رأيت شابا في مسجد نجران ، فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله ، فقال : ما لك تنظر إلي ؟ فقلت : أعجب من جمالك وكمالك . فقال : إن الله ليعجب مني . قال : فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر ، فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب .
وقد ذكر أن هلاك
قارون كان عن دعوة نبي الله
موسى عليه السلام واختلف في سببه ، فعن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : أن
قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تبهت
موسى بحضرة الملأ من
بني إسرائيل ، وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله ، فتقول : يا
موسى ، إنك فعلت بي كذا وكذا . فلما قالت في الملأ ذلك
لموسى عليه السلام ، أرعد من الفرق ، وأقبل عليها وصلى ركعتين ثم قال : أنشدك بالله الذي فرق البحر ، وأنجاكم من
فرعون ، وفعل كذا و [ فعل ] كذا ،
[ ص: 257 ] لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت : أما إذ نشدتني فإن
قارون أعطاني كذا وكذا ، على أن أقول لك ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه . فعند ذلك خر
موسى لله عز وجل ساجدا ، وسأل الله في
قارون . فأوحى الله إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه ، فأمر
موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك .
وقيل : إن
قارون لما خرج على قومه في زينته تلك ، وهو راكب على البغال الشهب ، وعليه وعلى خدمه الثياب الأرجوان الصبغة ، فمر في جحفله ذلك على مجلس نبي الله
موسى عليه السلام ، وهو يذكرهم بأيام الله . فلما رأى الناس
قارون انصرفت وجوه الناس حوله ، ينظرون إلى ما هو فيه . فدعاه
موسى عليه السلام ، وقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا
موسى ، أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة ، فلقد فضلت عليك بالدنيا ، ولئن شئت لتخرجن ، فلتدعون علي وأدعو عليك . فخرج وخرج
قارون في قومه ، فقال
موسى : تدعو أو أدعو أنا ؟ قال : بل أنا أدعو . فدعا
قارون فلم يجب له ، ثم قال
موسى : أدعو ؟ قال : نعم . فقال
موسى : اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم ، فأوحى الله إليه أني قد فعلت ، فقال
موسى : يا أرض ، خذيهم . فأخذتهم إلى أقدامهم . ثم قال : خذيهم . فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم إلى مناكبهم . ثم قال : أقبلي بكنوزهم وأموالهم . قال : فأقبلت بها حتى نظروا إليها . ثم أشار
موسى بيده فقال : اذهبوا
بني لاوى فاستوت بهم الأرض .
وعن
ابن عباس أنه قال : خسف بهم إلى الأرض السابعة .
وقال
قتادة : ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة .
وقد ذكر هاهنا إسرائيليات [ غريبة ] أضربنا عنها صفحا .
وقوله : (
فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ) أي : ما أغنى عنه ماله ، وما جمعه ، ولا خدمه و [ لا ] حشمه . ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله [ به ] ، ولا كان هو في نفسه منتصرا لنفسه ، فلا ناصر له [ لا ] من نفسه ، ولا من غيره .
وقوله تعالى : (
وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ) أي : الذين لما رأوه في زينته قالوا (
يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ) ، فلما خسف به أصبحوا يقولون : (
ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ) أي : ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه [ وعن عباده ] ; فإن الله يعطي ويمنع ، ويضيق ويوسع ، ويخفض ويرفع ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة . وهذا كما في الحديث المرفوع عن
ابن مسعود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822362 " إن الله قسم بينكم أخلاقكم ، كما قسم أرزاقكم وإن الله يعطي المال من يحب ، ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب " .
(
لولا أن من الله علينا لخسف بنا ) أي : لولا لطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا ، كما خسف
[ ص: 258 ] به ، لأنا وددنا أن نكون مثله .
(
ويكأنه لا يفلح الكافرون ) يعنون : أنه كان كافرا ، ولا يفلح الكافر عند الله ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى [ هاهنا ] : ( ويكأن ) ، فقال بعضهم : معناها : " ويلك اعلم أن " ، ولكن خففت فقيل : " ويك " ، ودل فتح " أن " على حذف " اعلم " . وهذا القول ضعفه
ابن جرير ، والظاهر أنه قوي ، ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة " ويكأن " . والكتابة أمر وضعي اصطلاحي ، والمرجع إلى اللفظ العربي ، والله أعلم .
وقيل : معناها : ويكأن ، أي : ألم تر أن . قاله
قتادة . وقيل : معناها " وي كأن " ، ففصلها وجعل حرف " وي " للتعجب أو للتنبيه ، و " كأن " بمعنى " أظن وأحسب " . قال
ابن جرير : وأقوى الأقوال في هذا قول
قتادة : إنها بمعنى : ألم تر أن ، واستشهد بقول الشاعر :
سالتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي ، وقد جئتماني بنكر ويكأن من يكن له نشب يح
بب ومن يفتقر يعش عيش ضر