(
تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ( 83 )
من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ( 84 ) ) .
يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين ، الذين لا يريدون علوا في الأرض ، أي : ترفعا على خلق الله وتعاظما عليهم وتجبرا بهم ، ولا فسادا فيهم . كما قال
عكرمة : العلو : التجبر .
وقال
سعيد بن جبير : العلو : البغي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد الثوري ، عن
منصور ، عن
مسلم البطين : العلو في الأرض : التكبر بغير حق . والفساد : أخذ المال بغير حق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
لا يريدون علوا في الأرض ) تعظما وتجبرا ، (
ولا فسادا ) : عملا بالمعاصي .
وقال
ابن جرير : حدثنا
ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن
أشعث السمان ، عن
أبى سلام الأعرج ، عن
علي قال : إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه ، فيدخل في قوله : (
تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) .
[ ص: 259 ]
وهذا محمول على ما إذا أراد [ بذلك ] الفخر [ والتطاول ] على غيره ; فإن ذلك مذموم ، كما ثبت في الصحيح ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ أنه قال ]
nindex.php?page=hadith&LINKID=826824إنه أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد " ، وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمل فهذا لا بأس به ، فقد ثبت أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أحب أن يكون ردائي حسنا ونعلي حسنة ، أفمن الكبر ذلك ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822363 " لا إن الله جميل يحب الجمال " .
وقال : (
من جاء بالحسنة ) أي : يوم القيامة (
فله خير منها ) أي : ثواب الله خير من حسنة العبد ، فكيف والله يضاعفه أضعافا كثيرة فهذا مقام الفضل .
ثم قال : (
ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ) ، كما قال في الآية الأخرى : (
ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) [ النمل : 90 ] وهذا مقام الفصل والعدل .