[ ص: 290 ] (
ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( 56 )
كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ( 57 )
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ( 58 )
الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ( 59 )
وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ( 60 ) ) .
هذا
أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين ، إلى أرض الله الواسعة ، حيث يمكن إقامة الدين ، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم ; ولهذا قال : (
ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
يزيد بن عبد ربه ، حدثنا
بقية بن الوليد ، حدثني
جبير بن عمرو القرشي ، حدثني
أبو سعد الأنصاري ، عن
أبي يحيى مولى الزبير بن العوام قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822391 " البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فحيثما أصبت خيرا فأقم " .
ولهذا لما ضاق على المستضعفين
بمكة مقامهم بها ، خرجوا مهاجرين إلى أرض
الحبشة ، ليأمنوا على دينهم هناك ، فوجدوا هناك خير المنزلين
، أصحمة النجاشي ملك
الحبشة ، رحمه الله ، آواهم وأيدهم بنصره ، وجعلهم سيوما ببلاده . ثم بعد ذلك هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الباقون إلى
المدينة النبوية
يثرب المطهرة
[ ص: 291 ]
ثم قال : (
كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ) أي : أينما كنتم يدرككم الموت ، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله ، فهو خير لكم ، فإن الموت لا بد منه ، ولا محيد عنه ، ثم إلى الله
[ ص: 292 ] المرجع [ والمآب ] ، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء ، ووافاه أتم الثواب ; ولهذا قال : (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار ) أي : لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار ، على اختلاف أصنافها ، من ماء وخمر ، وعسل ولبن ، يصرفونها ويجرونها حيث شاءوا ، (
خالدين فيها ) أي : ماكثين فيها أبدا لا يبغون عنها حولا (
نعم أجر العاملين ) : نعمت هذه الغرف أجرا على أعمال المؤمنين .
( الذين صبروا ) أي : على دينهم ، وهاجروا إلى الله ، ونابذوا الأعداء ، وفارقوا الأهل والأقرباء ، ابتغاء وجه الله ، ورجاء ما عنده وتصديق موعوده .
قال
ابن أبي حاتم رحمه الله : حدثني
أبي ، حدثنا
صفوان المؤذن ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17108معاوية بن سلام ، عن
أخيه زيد بن سلام ، عن جده
أبي سلام الأسود ، حدثني
أبو معاتق الأشعري ، أن
أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه : أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=822392في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأطاب الكلام ، وأباح الصيام ، وأقام الصلاة والناس نيام .
[ وقوله ] : (
وعلى ربهم يتوكلون ) في أحوالهم كلها ، في دينهم ودنياهم .
ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة ، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا ، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب ، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار ; ولهذا قال : (
وكأين من دابة لا تحمل رزقها ) أي : لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تؤخر شيئا لغد ، (
الله يرزقها وإياكم ) أي : الله يقيض لها رزقها على ضعفها ، وييسره عليها ، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه ، حتى الذر في قرار الأرض ، والطير في الهواء والحيتان في الماء ، قال الله تعالى : (
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
محمد بن عبد الرحمن الهروي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد - يعني ابن هارون - حدثنا
الجراح بن منهال الجزري - هو أبو العطوف - عن
الزهري ، عن رجل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=826838عن ابن عمر قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل بعض حيطان المدينة ، فجعل يلتقط من التمر ويأكل ، فقال لي : " يا ابن عمر ، ما لك لا تأكل ؟ " قال : قلت : لا أشتهيه يا رسول الله ، قال : " لكني أشتهيه ، [ ص: 293 ] وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك قيصر nindex.php?page=showalam&ids=16848وكسرى فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين ؟ " . قال : فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت : ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ، ولا باتباع الشهوات ، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله ، ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ، ولا أخبئ رزقا لغد " .
وهذا حديث غريب ،
وأبو العطوف الجزري ضعيف .
وقد ذكروا أن الغراب إذا فقس عن فراخه البيض ، خرجوا وهم بيض فإذا رآهم أبواهم كذلك ، نفرا عنهم أياما حتى يسود الريش ، فيظل الفرخ فاتحا فاه يتفقد أبويه ، فيقيض الله له طيرا صغارا كالبرغش فيغشاه فيتقوت منه تلك الأيام حتى يسود ريشه ، والأبوان يتفقدانه كل وقت ، فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه ، فإذا رأوه قد اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق ، ولهذا قال الشاعر :
يا رازق النعاب في عشه وجابر العظم الكسير المهيض
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في جملة كلام له في الأوامر كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501299 " سافروا تصحوا وترزقوا " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أخبرنا إملاء
أبو الحسن علي بن عبدان ، أخبرنا
أحمد بن عبيد ، أخبرنا
محمد بن غالب ، حدثني
محمد بن سنان ، حدثنا
محمد بن عبد الرحمن بن رداد - شيخ من أهل
المدينة - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار عن
ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501300 " سافروا تصحوا وتغنموا " . قال : ورويناه عن
ابن عباس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
قتيبة ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
دراج ، عن
عبد الرحمن بن حجيرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501301 " سافروا تربحوا ، وصوموا تصحوا ، واغزوا تغنموا " .
وقد ورد مثل حديث
ابن عمر عن
ابن عباس مرفوعا ، وعن
معاذ بن جبل موقوفا . وفي
[ ص: 294 ] لفظ :
" سافروا مع ذوي الجدود والميسرة "
وقوله تعالى : (
وهو السميع العليم ) أي : السميع لأقوال عباده ، العليم بحركاتهم وسكناتهم .