(
فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 30 )
منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ( 31 )
من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ( 32 ) )
يقول تعالى : فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك ، من الحنيفية ملة
إبراهيم ، الذي هداك الله لها ، وكملها لك غاية الكمال ، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة ، التي فطر الله الخلق عليها ، فإنه تعالى فطر خلقه على [ معرفته وتوحيده ، وأنه لا إله غيره ، كما تقدم عند قوله تعالى : (
وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] ، وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822408إني خلقت [ ص: 314 ] عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم " . وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على ] الإسلام ، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية .
وقوله : (
لا تبديل لخلق الله ) قال بعضهم : معناه لا تبدلوا خلق الله ، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها . فيكون خبرا بمعنى الطلب ، كقوله تعالى : (
ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 97 ] ، وهذا معنى حسن صحيح .
وقال آخرون : هو خبر على بابه ، ومعناه : أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة ، لا يولد أحد إلا على ذلك ، ولا تفاوت بين الناس في ذلك; ولهذا قال
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد في قوله : (
لا تبديل لخلق الله ) أي : لدين الله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : قوله : (
لا تبديل لخلق الله ) : لدين الله ، خلق الأولين : [ دين الأولين ] ، والدين والفطرة : الإسلام .
حدثنا
عبدان ، أخبرنا
عبد الله ، أخبرنا
يونس ، عن
الزهري ، أخبرني
أبو سلمة بن عبد الرحمن أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822409 " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " ؟ ثم يقول : (
فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) .
ورواه
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد الأيلي ، عن
الزهري ، به . وأخرجاه - أيضا - من حديث
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
همام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة ، فمنهم
الأسود بن سريع التميمي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
إسماعيل ، حدثنا
يونس ، عن
الحسن عن الأسود بن سريع [ التميمي ] قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه ، فأصبت ظهرا ، فقتل الناس يومئذ ، حتى قتلوا الولدان . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822410 " ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية ؟ " . فقال رجل : يا رسول الله ، أما هم أبناء المشركين ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822411 " ألا إنما خياركم أبناء المشركين " . ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822412 " لا تقتلوا ذرية ، لا تقتلوا ذرية " . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822413 " كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها " .
[ ص: 315 ] ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في كتاب السير ، عن
زياد بن أيوب ، عن
هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس - وهو ابن عبيد - عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، به .
ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
هاشم ، حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع بن أنس ، عن
الحسن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822414 " كل مولود يولد على الفطرة ، حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا " .
ومنهم
عبد الله بن عباس الهاشمي ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
عفان ، حدثنا
أبو عوانة ، حدثنا
أبو بشر ، عن
سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501308عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين ، فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث
أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس مرفوعا بذلك .
وقد قال أحمد أيضا : حدثنا
عفان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد - يعني ابن سلمة - أنبأنا
عمار بن أبي عمار ، عن
ابن عباس قال : أتى علي زمان وأنا أقول : أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين ، وأولاد المشركين مع المشركين . حتى حدثني فلان عن فلان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821837 " الله أعلم بما كانوا عاملين " . قال : فلقيت الرجل فأخبرني . فأمسكت عن قولي .
ومنهم
عياض بن حمار المجاشعي ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
يحيى بن سعيد ، حدثنا
هشام ، حدثنا
قتادة ، عن
مطرف ، عن
عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822415 " إن ربي - عز وجل - أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا ، كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ، ثم إن الله - عز وجل - نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ، عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب ، وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرؤه نائما ويقظان . [ ص: 316 ] ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا ، فقلت : يا رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة . قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق عليهم فسننفق عليك . وابعث جيشا نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك " . قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822416 " وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير متصدق . وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبتغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه . ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخيل ، أو الكذاب ، والشنظير : الفحاش .
انفرد بإخراجه
مسلم ، فرواه من طرق عن
قتادة ، به .
وقوله تعالى : (
ذلك الدين القيم ) أي : التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم ، (
ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : فلهذا لا يعرفه أكثر الناس ، فهم عنه ناكبون ، كما قال تعالى : (
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، (
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) الآية [ الأنعام : 116 ] .
وقوله : (
منيبين إليه ) قال
ابن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج : أي راجعين إليه ، ( واتقوه ) أي : خافوه وراقبوه ، ( وأقيموا الصلاة ) وهي الطاعة العظيمة ، (
ولا تكونوا من المشركين ) أي : بل من الموحدين المخلصين له العبادة ، لا يريدون بها سواه .
قال
ابن جرير : [ حدثنا
ابن حميد ] ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، حدثنا
يونس بن أبي إسحاق ، عن
يزيد بن أبي مريم قال : مر
عمر رضي الله عنه ،
بمعاذ بن جبل فقال : ما قوام هذه الأمة ؟ قال
معاذ : ثلاث ، وهن [ من ] المنجيات : الإخلاص ، وهي الفطرة ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ، والصلاة وهي الملة ، والطاعة وهي العصمة . فقال
عمر : صدقت .
حدثني
يعقوب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، حدثنا
أيوب ، عن
أبي قلابة : أن
عمر ، رضي الله عنه ، قال
لمعاذ : ما قوام هذا الأمر ؟ فذكره نحوه .
وقوله : (
من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي : بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض .
وقرأ بعضهم : " فارقوا دينهم " أي : تركوه وراء ظهورهم ، وهؤلاء
كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان ، وسائر أهل الأديان الباطلة ، مما عدا أهل الإسلام ، كما قال تعالى : (
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) [ الأنعام : 159 ] ، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة ، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء ،
[ ص: 317 ] وهذه الأمة أيضا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة ، وهم
أهل السنة والجماعة ، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين ، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501309سئل ، عليه السلام عن الفرقة الناجية منهم ، فقال : " ما أنا عليه [ اليوم ] وأصحابي " .