(
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ( 58 )
كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ( 59 )
فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ( 60 ) )
يقول تعالى : (
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) أي : قد بينا لهم الحق ، ووضحناه لهم ، وضربنا لهم فيه الأمثال ليتبينوا الحق ويتبعوه . (
ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ) أي : لو رأوا أي آية كانت ، سواء كانت باقتراحهم أو غيره ، لا يؤمنون بها ، ويعتقدون أنها سحر وباطل ، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه ، كما قال [ الله ] تعالى : (
إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] ; ولهذا قال هاهنا : (
كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ) أي : اصبر على مخالفتهم وعنادهم ، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك ، وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ، (
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) أي : بل اثبت على ما بعثك الله به ، فإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع ، بل الحق كله منحصر فيه .
قال
سعيد عن
قتادة : نادى رجل من
الخوارج عليا ، رضي الله عنه ، وهو في الصلاة - صلاة
[ ص: 329 ] الغداة - فقال : (
ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) [ الزمر : 65 ] ، فأنصت له
علي حتى فهم ما قال ، فأجابه وهو في الصلاة : (
فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) . رواه
ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم . وقد رواه
ابن جرير من وجه آخر فقال :
حدثنا
ابن وكيع ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، عن
شريك ، عن
عثمان بن أبي زرعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=49علي بن ربيعة قال : نادى رجل من
الخوارج عليا وهو في صلاة الفجر ، فقال : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأجابه علي وهو في الصلاة : (
فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .
طريق أخرى : قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
علي بن الجعد ، أخبرنا
شريك ، عن
عمران بن ظبيان ، عن
أبي تحيا قال : صلى
علي رضي الله عنه ، صلاة الفجر ، فناداه رجل من الخوارج : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأجابه علي ، وهو في الصلاة : (
فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .
[ ما روي في فضل هذه السورة الشريفة ، واستحباب قراءتها في الفجر ] :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر ، عن
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، سمعت
شبيبا - أبا روح - يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح ، فقرأ فيها الروم فأوهم ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822421 " إنه يلبس علينا القرآن ، فإن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء " .
وهذا إسناد حسن ومتن حسن وفيه سر عجيب ، ونبأ غريب ، وهو أنه ، عليه السلام تأثر بنقصان وضوء من ائتم به ، فدل ذلك أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام .
[ آخر تفسير سورة " الروم " ] .