[ ص: 351 ] (
ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 31 )
وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ( 32 ) )
يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره ، أي : بلطفه وتسخيره; فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت ; ولهذا قال : (
ليريكم من آياته ) أي : من قدرته ، (
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) أي : صبار في الضراء ، شكور في الرخاء .
ثم قال : (
وإذا غشيهم موج كالظلل ) أي : كالجبال والغمام ، (
دعوا الله مخلصين له الدين ) ، كما قال تعالى : (
وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) [ الإسراء : 67 ] ، وقال (
فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) [ العنكبوت : 65 ] .
ثم قال : (
فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) قال
مجاهد : أي كافر . كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد ، كما قال تعالى : (
فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ العنكبوت : 65 ] .
وقال
ابن زيد : هو المتوسط في العمل .
وهذا الذي قاله
ابن زيد هو المراد في قوله : (
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) [ فاطر : 32 ] ، فالمقتصد هاهنا هو : المتوسط في العمل . ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر ، ثم بعدما أنعم عليه من الخلاص ، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والدؤوب في العبادة ، والمبادرة إلى الخيرات . فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه ، والله أعلم .
وقوله : (
وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) : فالختار : هو الغدار . قاله
مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، وهو الذي كلما عاهد نقض عهده ، والختر : أتم الغدر وأبلغه ، قال
عمرو بن معديكرب :
وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
وقوله : ( كفور ) أي : جحود للنعم لا يشكرها ، بل يتناساها ولا يذكرها .