(
يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ( 49 ) ) .
هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة . منها :
إطلاق النكاح على العقد وحده ، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها ، وقد اختلفوا في النكاح : هل هو - حقيقة - في العقد وحده ، أو في الوطء ، أو فيهما ؟ على ثلاثة أقوال ، واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطء بعده ، إلا في هذه الآية فإنه استعمل في العقد وحده; لقوله : (
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) . وفيها دلالة لإباحة
طلاق المرأة قبل الدخول بها .
[ ص: 440 ] وقوله : ( المؤمنات ) خرج مخرج الغالب; إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق . وقد استدل
ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16600وعلي بن الحسين ،
زين العابدين ، وجماعة من السلف بهذه الآية على أن
الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح ; لأن الله تعالى قال : (
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) ، فعقب النكاح بالطلاق ، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله . وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، وطائفة كثيرة من السلف والخلف ، رحمهم الله تعالى .
وذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، رحمهما الله ، إلى صحة
الطلاق قبل النكاح ; فيما إذا
قال : " إن تزوجت فلانة فهي طالق " . فعندهما متى تزوجها طلقت منه . واختلفا فيما إذا
قال : " كل امرأة أتزوجها فهي طالق " . فقال
مالك : لا تطلق حتى يعين المرأة . وقال
أبو حنيفة ، رحمه الله : كل امرأة يتزوجها بعد هذا الكلام تطلق منه ، فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلاق بهذه الآية .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أحمد بن منصور المروزي ، حدثنا
النضر بن شميل ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17415يونس - يعني ابن أبي إسحاق - سمعت
آدم مولى خالد ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : [ إذا قال ] : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، قال : ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول : (
يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) الآية .
وحدثنا
محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مطر ، عن
الحسن بن مسلم بن يناق ، عن
ابن عباس قال : إنما قال الله تعالى : (
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) ، ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح ؟!
وهكذا روى
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : قال الله : (
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) فلا طلاق [ قبل النكاح ] .
وقد ورد الحديث بذلك عن
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822580 " لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك " . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . وقال
الترمذي : " هذا حديث حسن " . وهو أحسن شيء روي في هذا الباب . وهكذا روى
ابن ماجه عن علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=83والمسور بن مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822581 " لا طلاق قبل نكاح " .
[ وفي الآية دليل على أن المسيس مطلق ، ويراد به الوطء ] .
[ ص: 441 ] وقوله : (
فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) : هذا أمر مجمع عليه بين العلماء : أن
المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت ، ولا يستثنى من هذا إلا
المتوفى عنها زوجها ، فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا ، وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا .
وقوله : (
فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) : المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى ، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها ، قال الله تعالى : (
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) [ البقرة : 237 ] ، وقال (
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) [ البقرة : 236 ] .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
سهل بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=45وأبي أسيد ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501346أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أميمة بنت شراحيل ، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها ، فكأنها كرهت ذلك ، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين .
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، رضي الله عنهما : إن كان سمى لها صداقا ، فليس لها إلا النصف ، وإن لم يكن سمى لها صداقا فأمتعها على قدر عسره ويسره ، وهو السراح الجميل .