[ ص: 497 ] (
ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ( 10 )
أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير ( 11 ) ) .
يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله
داود ، صلوات الله وسلامه عليه ، مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوي العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات ، والغاديات والرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات . وفي الصحيح أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=825948رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " .
وقال
أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه .
ومعنى قوله : (
أوبي ) أي : سبحي . قاله
ابن عباس ،
ومجاهد ، وغير واحد .
وزعم
أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان
الحبشة . وفي هذا نظر ، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع ، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14417أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه " الجمل " في باب النداء منه : (
يا جبال أوبي معه ) أي : سيري معه بالنهار كله ، والتأويب : سير النهار كله ، والإسآد : سير الليل كله . وهذا لفظه ، وهو غريب جدا لم أجده لغيره ، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة ، لكنه بعيد في معنى الآية هاهنا . والصواب أن المعنى في قوله تعالى : (
أوبي معه ) أي : رجعي معه مسبحة معه ، كما تقدم ، والله أعلم .
وقوله : (
وألنا له الحديد ) : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ،
وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وغيرهم : كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقة ، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط; ولهذا قال : (
أن اعمل سابغات ) وهي : الدروع . قال
قتادة : وهو أول من عملها من الخلق ، وإنما كانت قبل ذلك صفائح .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
ابن سماعة ، حدثنا
ابن ضمرة ، عن
ابن شوذب قال : كان
داود ، عليه السلام ، يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم : ألفين له ولأهله ، وأربعة آلاف درهم يطعم بها
بني إسرائيل خبز الحوارى .
[ ص: 498 ] (
وقدر في السرد ) : هذا إرشاد من الله لنبيه
داود ، عليه السلام ، في تعليمه صنعة الدروع .
قال
مجاهد في قوله : (
وقدر في السرد ) : لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة ، ولا تغلظه فيفصمها ، واجعله بقدر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة : لا تغلظه فيفصم ، ولا تدقه فيقلق . وهكذا روي عن
قتادة ، وغير واحد .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : السرد : حلق الحديد . وقال بعضهم : يقال : درع مسرودة : إذا كانت مسمورة الحلق ، واستشهد بقول الشاعر :
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر في ترجمة
داود ، عليه والسلام ، من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11979إسحاق بن بشر - وفيه كلام - عن
أبي إلياس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ما مضمونه : أن
داود ، عليه السلام ، كان يخرج متنكرا ، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته ، فلا يسأل أحدا إلا أثنى عليه خيرا في عبادته وسيرته ومعدلته ، صلوات الله وسلامه عليه . قال
وهب : حتى بعث الله ملكا في صورة رجل ، فلقيه
داود فسأله كما كان يسأل غيره ، فقال : هو خير الناس لنفسه ولأمته ، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملا قال : ما هي ؟ قال : يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين ، يعني بيت المال ، فعند ذلك نصب
داود ، عليه السلام ، إلى ربه في الدعاء أن يعلمه عملا بيده يستغني به ويغني به عياله ، فألان له الحديد ، وعلمه صنعة الدروع ، فعمل الدرع ، وهو أول من عملها ، فقال الله : (
أن اعمل سابغات وقدر في السرد ) يعني : مسامير الحلق ، قال : وكان يعمل الدرع ، فإذا ارتفع من عمله درع باعها ، فتصدق بثلثها ، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله ، وأمسك الثلث يتصدق به يوما بيوم إلى أن يعمل غيرها . وقال : إن الله أعطى
داود شيئا لم يعطه غيره من حسن الصوت ، إنه كان إذا قرأ الزبور تسمع الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر ، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته . وكان شديد الاجتهاد ، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير ، وكأن قد أعطي سبعين مزمارا في حلقه .
وقوله : ( واعملوا صالحا ) أي : في الذي أعطاكم الله من النعم ، (
إني بما تعملون بصير ) أي : مراقب لكم ، بصير بأعمالكم وأقوالكم ، لا يخفى علي من ذلك شيء .