(
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ( 12 )
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( 13 ) )
[ ص: 499 ] لما ذكر تعالى ما أنعم به على
داود ، عطف بذكر ما أعطى ابنه
سليمان ، من تسخير الريح له تحمل بساطه ، غدوها شهر ورواحها شهر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : كان يغدو على بساطه من
دمشق فينزل
بإصطخر يتغذى بها ، ويذهب رائحا من
إصطخر فيبيت
بكابل ، وبين
دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع ، وبين
إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع .
وقوله : (
وأسلنا له عين القطر ) قال
ابن عباس ،
ومجاهد ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد : القطر : النحاس . قال
قتادة : وكانت
باليمن ، فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى
لسليمان ، عليه السلام .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : وإنما أسيلت له ثلاثة أيام .
وقوله : (
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) أي : وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن الله ، أي : بقدره ، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك . (
ومن يزغ منهم عن أمرنا ) أي : ومن يعدل ويخرج منهم عن الطاعة (
نذقه من عذاب السعير ) وهو الحريق .
وقد ذكر
ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال : حدثنا أبي ، حدثنا
أبو صالح ، حدثنا
معاوية بن صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11861أبي الزاهرية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة الخشني ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501372 " الجن على ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون " . رفعه غريب جدا .
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا
حرملة ، حدثنا
ابن وهب ، أخبرني
بكر بن مضر ، عن
محمد ، عن
ابن أنعم أنه قال : الجن ثلاثة : صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض ، وصنف حيات وكلاب .
قال
بكر بن مضر : ولا أعلم إلا أنه قال : حدثني أن الإنس ثلاثة : صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة . وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلا . وصنف في صور الناس على قلوب الشياطين .
[ ص: 500 ] وقال أيضا : حدثنا أبي : حدثنا
علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا
سلمة - يعني ابن الفضل - عن
إسماعيل ، عن
الحسن قال : الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان .
وقوله : (
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ) : أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره .
وقال
مجاهد : المحاريب بنيان دون القصور . وقال
الضحاك : هي المساجد . وقال
قتادة : هي المساجد والقصور ، وقال
ابن زيد : هي المساكن . وأما التماثيل فقال
عطية العوفي ،
والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : التماثيل : الصور . قال
مجاهد : وكانت من نحاس . وقال
قتادة : من طين وزجاج .
وقوله : (
وجفان كالجواب وقدور راسيات ) الجواب : جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال
الأعشى ميمون بن قيس :
تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
كالجواب ) أي : كالجوبة من الأرض .
وقال
العوفي ، عنه : كالحياض . وكذا قال
مجاهد ،
والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم .
والقدور الراسيات : أي الثابتات ، في أماكنها لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها . كذا قال
مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما .
وقال
عكرمة : أثافيها منها .
وقوله : (
اعملوا آل داود شكرا ) أي : وقلنا لهم اعملوا شكرا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .
وشكرا : مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة : يدي ، ولساني ، والضمير المحجبا
قال
أبو عبد الرحمن الحبلي : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله شكر . وأفضل الشكر الحمد . رواه
ابن جرير .
وروى هو
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي قال : الشكر تقوى الله والعمل الصالح .
[ ص: 501 ] وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ، وقد كان آل
داود ، عليه السلام ، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا
جعفر - يعني : ابن سليمان - عن
ثابت البناني قال : كان
داود ، عليه السلام ، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة ، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل
داود قائم يصلي ، فغمرتهم هذه الآية : (
اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) .
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822660 " إن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما . ولا يفر إذا لاقى " .
وقد روى
أبو عبد الله بن ماجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد بن داود ، حدثنا
يوسف بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن
جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822661 " قالت أم سليمان بن داود لسليمان : يا بني ، لا تكثر النوم بالليل ، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرا يوم القيامة " .
وروى
ابن أبي حاتم عن
داود ، عليه السلام ، هاهنا أثرا غريبا مطولا جدا ، وقال أيضا :
حدثنا أبي ، حدثنا
عمران بن موسى ، حدثنا
أبو يزيد فيض بن إسحاق الرقي قال : قال
فضيل في قوله تعالى : (
اعملوا آل داود شكرا ) . فقال
داود : يا رب ، كيف أشكرك ، والشكر نعمة منك ؟ قال : " الآن شكرتني حين علمت أن النعمة مني " .
وقوله : (
وقليل من عبادي الشكور ) إخبار عن الواقع .