(
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 )
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( 160 )
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( 161 )
خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 162 ) )
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب ، من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه ، التي أنزلها على رسله .
قال
أبو العالية : نزلت في
أهل الكتاب ، كتموا صفة
محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك ، فكما أن
العالم يستغفر له كل شيء ، حتى الحوت في الماء والطير في الهواء ، فهؤلاء بخلاف العلماء [ الذين يكتمون ] فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . وقد ورد في الحديث المسند من طرق يشد بعضها بعضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820008 " من سئل عن علم فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار " . والذي في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنه قال : لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا شيئا : (
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) الآية .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
الحسن بن عرفة ، حدثنا
عمار بن محمد ، عن
ليث بن أبي سليم ،
[ ص: 473 ]
عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
زاذان أبي عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500811كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فقال : " إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه ، فيسمع كل دابة غير الثقلين ، فتلعنه كل دابة سمعت صوته ، فذلك قول الله تعالى : ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) يعني : دواب الأرض " .
[ ورواه
ابن ماجه عن
محمد بن الصباح عن
عمار بن محمد به ] .
وقال
عطاء بن أبي رباح : كل دابة والجن والإنس . وقال
مجاهد : إذا أجدبت الأرض قالت البهائم : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم .
وقال
أبو العالية ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
وقتادة (
ويلعنهم اللاعنون ) يعني تلعنهم ملائكة الله ، والمؤمنون .
[ وقد جاء في الحديث ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=824353أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان ، وجاء في هذه الآية : أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون ، واللاعنون أيضا ، وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال ، أو الحال ، أو لو كان له عقل ، أو يوم القيامة ، والله أعلم ] .
ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال : (
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) أي : رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وأحوالهم وبينوا للناس ما كانوا كتموه (
فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) وفي هذا دلالة على أن
الداعية إلى كفر ، أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه .
وقد ورد أن الأمم السابقة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم ، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه .
ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأن (
عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها ) أي : في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي (
لا يخفف عنهم العذاب ) فيها ، أي : لا ينقص عما هم فيه (
ولا هم ينظرون ) أي : لا يغير عنهم ساعة واحدة ، ولا يفتر ، بل هو متواصل دائم ، فنعوذ بالله من ذلك .
وقال
أبو العالية وقتادة : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .
فصل : لا خلاف في جواز لعن الكفار ، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعمن بعده
[ ص: 474 ] من الأئمة ، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره ; فأما الكافر المعين ، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له ، واستدل بعضهم بهذه الآية : (
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) وقالت طائفة أخرى : بل يجوز
لعن الكافر المعين . واختار ذلك الفقيه
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي المالكي ، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف ، واستدل غيره بقوله ، عليه السلام ، في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824354 " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " قالوا : فعلة المنع من لعنه ; بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن ، والله أعلم .