(
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ( 27 )
ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ( 28 ) )
يقول تعالى منبها على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد ، وهو الماء الذي ينزله من السماء ، يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها ، من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض ، إلى غير ذلك من ألوان الثمار ، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : (
وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) [ الرعد : 4 ] .
[ ص: 544 ] وقوله تبارك وتعالى : (
ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ) أي : وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان ، كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر ، وفي بعضها طرائق - وهي : الجدد ، جمع جدة - مختلفة الألوان أيضا .
قال
ابن عباس ، رضي الله عنهما : الجدد : الطرائق . وكذا قال
أبو مالك ،
والحسن ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
ومنها (
وغرابيب سود ) ، قال
عكرمة : الغرابيب : الجبال الطوال السود . وكذا قال
أبو مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني وقتادة .
وقال
ابن جرير : والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد ، قالوا : أسود غربيب .
ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية : هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى : (
وغرابيب سود ) أي : سود غرابيب . وفيما قاله نظر .
وقوله تعالى : (
ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ) أي : [ و ] كذلك الحيوانات من الأناسي والدواب - وهو : كل ما دب على قوائم - والأنعام ، من باب عطف الخاص على العام . كذلك هي مختلفة أيضا ، فالناس منهم
بربر وحبوش وطماطم في غاية السواد ،
وصقالبة وروم في غاية البياض ،
والعرب بين ذلك ،
والهنود دون ذلك; ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى : (
واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) [ الروم : 22 ] . وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان ، حتى في الجنس الواحد ، بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان ، بل الحيوان الواحد يكون أبلق ، فيه من هذا اللون وهذا اللون ، فتبارك الله أحسن الخالقين .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا
الفضل بن سهل ، حدثنا
عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح ، حدثنا
زياد بن عبد الله ، عن
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825964جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أيصبغ ربك ؟ قال : " نعم صبغا لا ينفض ، أحمر وأصفر وأبيض " . وروي مرسلا وموقوفا ، والله أعلم .
ولهذا قال تعالى بعد هذا : (
إنما يخشى الله من عباده العلماء ) أي : إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به; لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى - كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل ، كانت الخشية له أعظم وأكثر .
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله تعالى : (
إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير .
وقال
ابن لهيعة ، عن
ابن أبي عمرة ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : العالم بالرحمن من لم يشرك به شيئا ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، وحفظ وصيته ، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله .
[ ص: 545 ] وقال
سعيد بن جبير : الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب ، ورغب فيما رغب الله فيه ، وزهد فيما سخط الله فيه ، ثم تلا الحسن : (
إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ) .
وعن
ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال : ليس العلم عن كثرة الحديث ، ولكن العلم عن كثرة الخشية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح المصري ، عن
ابن وهب ، عن
مالك قال : إن العلم ليس بكثرة الرواية ، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح المصري : معناه : أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية ، وأما
العلم الذي فرض الله ، عز وجل ، أن يتبع فإنما هو الكتاب والسنة ، وما جاء عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، ومن بعدهم من أئمة المسلمين ، فهذا لا يدرك إلا بالرواية ويكون تأويل قوله : " نور " يريد به فهم العلم ، ومعرفة معانيه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
أبي حيان [ التميمي ] ، عن رجل قال : كان يقال : العلماء ثلاثة : عالم بالله عالم بأمر الله ، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله ، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله . فالعالم بالله وبأمر الله : الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض . والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله : الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض . والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله : الذي يعلم الحدود والفرائض ، ولا يخشى الله عز وجل .