(
قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون ( 26 )
بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ( 27 )
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ( 28 )
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ( 29 ) ) .
قال
محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن
ابن مسعود : إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقال الله له : (
ادخل الجنة ) ، فدخلها فهو يرزق منها ، قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها .
وقال
مجاهد : قيل
لحبيب النجار : ادخل الجنة . وذلك أنه قتل فوجبت له ، فلما رأى الثواب (
قال يا ليت قومي يعلمون ) .
قال
قتادة : لا تلقى المؤمن إلا ناصحا ، لا تلقاه غاشا ; لما عاين [ ما عاين ] من كرامة الله
[ ص: 572 ] (
قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) . تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله [ له ] ، وما هجم عليه .
وقال
ابن عباس : نصح قومه في حياته بقوله : (
ياقوم اتبعوا المرسلين ) [ يس : 20 ] ، وبعد مماته في قوله : (
يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) رواه
ابن أبي حاتم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
عاصم الأحول ، عن
أبي مجلز : (
بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) بإيماني بربي وتصديقي المرسلين .
ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم ، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل ، فرحمه الله ورضي عنه ، فلقد كان حريصا على هداية قومه .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
هشام بن عبيد الله ، حدثنا
ابن جابر - وهو محمد - عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك - يعني : ابن عمير - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825985قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي صلى الله عليه وسلم : ابعثني إلى قومي أدعهم إلى الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أخاف أن يقتلوك " . فقال : لو وجدوني نائما ما أيقظوني . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انطلق " . فانطلق فمر على اللات والعزى ، فقال : لأصبحنك غدا بما يسوءك . فغضبت ثقيف ، فقال : يا معشر ثقيف ، إن اللات لا لات ، وإن العزى لا عزى ، أسلموا تسلموا . يا معشر الأحلاف ، إن العزى لا عزى ، وإن اللات لا لات ، أسلموا تسلموا . قال ذلك ثلاث مرات ، فرماه رجل فأصاب أكحله فقتله ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هذا مثله كمثل صاحب يس ، ( قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم : أنه حدث عن
كعب الأحبار : أنه ذكر له
حبيب بن زيد بن عاصم - أخو بني مازن بن النجار - الذي كان
مسيلمة الكذاب قطعه
باليمامة ، حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقول : أتشهد أن
محمدا رسول الله ؟ فيقول : نعم . ثم يقول : أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول : لا أسمع . فيقول له
مسيلمة : أتسمع هذا ولا تسمع ذاك ؟ فيقول : نعم . فجعل يقطعه عضوا عضوا ، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه . فقال
كعب حين قيل له : اسمه
حبيب ، وكان والله صاحب يس اسمه
حبيب .
وقوله : (
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) : يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه ، غضبا منه تعالى عليهم ; لأنهم كذبوا رسله ، وقتلوا وليه . ويذكر تعالى : أنه ما أنزل عليهم ، وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم ، بل الأمر كان أيسر من ذلك . قاله
ابن مسعود ، فيما رواه
ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عنه أنه قال في قوله : (
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) أي : ما كاثرناهم بالجموع الأمر
[ ص: 573 ] كان أيسر علينا من ذلك ، (
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) قال : فأهلك الله ذلك الملك ، وأهلك أهل
أنطاكية ، فبادوا عن وجه الأرض ، فلم يبق منهم باقية .
وقيل : (
وما كنا منزلين ) أي : وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم ، بل نبعث عليهم عذابا يدمرهم .
وقيل : المعنى في قوله : (
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء ) أي : من رسالة أخرى إليهم . قاله
مجاهد وقتادة . قال
قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ، (
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) .
قال
ابن جرير : والأول أصح ; لأن الرسالة لا تسمى جندا .
قال المفسرون : بعث الله إليهم
جبريل ، عليه السلام ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم ، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد .
وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي
أنطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند
المسيح ، عليه السلام ، كما نص عليه
قتادة وغيره ، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره ، وفي ذلك نظر من وجوه :
أحدها : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله ، عز وجل ، لا من جهة
المسيح ، كما قال تعالى : (
إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ) إلى أن قالوا : (
ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين ) [ يس : 14 - 17 ] . ولو كان هؤلاء من
الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند
المسيح ، عليه السلام ، والله أعلم . ثم لو كانوا رسل
المسيح لما قالوا لهم : (
ما أنتم إلا بشر مثلنا ) [ يس : 15 ] .
الثاني : أن أهل
أنطاكية آمنوا برسل
المسيح إليهم ، وكانوا أول مدينة آمنت
بالمسيح ; ولهذا كانت عند
النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتاركة ، وهن
القدس لأنها بلد
المسيح ، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت
بالمسيح عن آخر أهلها ،
والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين . ثم
رومية لأنها مدينة الملك
قسطنطين الذي نصر دينهم وأطده . ولما ابتنى
القسطنطينية نقلوا البترك من
رومية إليها ، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم
كسعيد بن بطريق وغيره من
أهل الكتاب والمسلمين ، فإذا تقرر أن
أنطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، فالله أعلم .
الثالث : أن قصة
أنطاكية مع
الحواريين أصحاب
المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر
أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف : أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين ، ذكروه عند قوله تعالى : (
ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) [ القصص : 43 ] . فعلى هذا يتعين أن هذه القرية
[ ص: 574 ] المذكورة في القرآن [ العظيم ] قرية أخرى غير
أنطاكية ، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا . أو تكون
أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة ، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
فأما الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا
الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا
الحسين بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا
حسين الأشقر ، حدثنا
ابن عيينة ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825986 " السبق ثلاثة : فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب يس ، والسابق إلى محمد nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب " ، فإنه حديث منكر ، لا يعرف إلا من طريق
حسين الأشقر ، وهو شيعي متروك ، [ والله أعلم ] .