(
فنظر نظرة في النجوم ( 88 )
فقال إني سقيم ( 89 )
فتولوا عنه مدبرين ( 90 )
فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ( 91 )
ما لكم لا تنطقون ( 92 )
فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93 )
فأقبلوا إليه يزفون ( 94 )
قال أتعبدون ما تنحتون ( 95 )
والله خلقكم وما تعملون ( 96 )
قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( 97 )
فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ( 98 ) )
إنما قال
إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ذلك ، ليقيم في البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم ، فإنه كان قد أزف خروجهم إلى عيد لهم ، فأحب أن يختلي بآلهتهم ليكسرها ، فقال لهم كلاما هو حق في نفس الأمر ، فهموا منه أنه سقيم على مقتضى ما يعتقدونه ، (
فتولوا عنه مدبرين ) قال
قتادة : والعرب تقول لمن تفكر : نظر في النجوم : يعني
قتادة : أنه نظر في السماء متفكرا فيما يلهيهم به ، فقال : (
إني سقيم ) أي : ضعيف .
فأما الحديث الذي رواه
ابن جرير هاهنا : حدثنا
أبو كريب ، حدثنا
أبو أسامة ، حدثني
هشام ، عن
محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822738لم يكذب إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام ، غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات الله ، قوله : ( إني سقيم ) ، وقوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) [ الأنبياء : 62 ] ، وقوله في سارة : هي أختي " فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن من طرق ، ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ، حاشا وكلا وإنما أطلق الكذب على هذا
[ ص: 25 ] تجوزا ، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني ، كما جاء في الحديث : " إن [ في ] المعاريض لمندوحة عن الكذب "
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826005ما منها كلمة إلا ماحل بها عن دين الله تعالى ، فقال : ( إني سقيم ) ، وقال ( بل فعله كبيرهم ) ، وقال للملك حين أراد المرأة : هي أختي " .
قال
سفيان في قوله : (
إني سقيم ) يعني : طعين . وكانوا يفرون من المطعون ، فأراد أن يخلو بآلهتهم . وكذا قال
العوفي عن
ابن عباس : (
فنظر نظرة في النجوم . فقال إني سقيم ) ، فقالوا له وهو في بيت آلهتهم : اخرج . فقال : إني مطعون ، فتركوه مخافة الطاعون .
وقال
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : رأى نجما طلع فقال : (
إني سقيم ) كابد نبي الله عن دينه (
فقال إني سقيم ) .
وقال آخرون : فقال : (
إني سقيم ) بالنسبة إلى ما يستقبل ، يعني : مرض الموت .
وقيل : أراد (
إني سقيم ) أي : مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله - عز وجل - .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : خرج
قوم إبراهيم إلى عيدهم ، فأرادوه على الخروج ، فاضطجع على ظهره وقال : (
إني سقيم ) ، وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها . رواه
ابن أبي حاتم .
ولهذا قال تعالى : (
فتولوا عنه مدبرين ) أي : إلى عيدهم ، (
فراغ إلى آلهتهم ) أي : ذهب إليها بعد أن خرجوا في سرعة واختفاء ، (
فقال ألا تأكلون ) ، وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعاما قربانا لتبرك لهم فيه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : دخل
إبراهيم - عليه السلام - إلى بيت الآلهة ، فإذا هم في بهو عظيم ، وإذا مستقبل باب البهو صنم عظيم ، إلى جنبه [ صنم آخر ] أصغر منه ، بعضها إلى جنب بعض ، كل صنم يليه أصغر منه ، حتى بلغوا باب البهو ، وإذا هم قد جعلوا طعاما وضعوه بين أيدي الآلهة ، وقالوا : إذا كان حين نرجع وقد بركت الآلهة في طعامنا أكلناه ، فلما نظر
إبراهيم - عليه السلام - إلى ما بين أيديهم من الطعام قال : (
ألا تأكلون . ما لكم لا تنطقون ) ؟ !
[ ص: 26 ]
وقوله : (
فراغ عليهم ضربا باليمين ) : قال
الفراء : معناه مال عليهم ضربا باليمين .
وقال
قتادة والجوهري : فأقبل عليهم ضربا باليمين .
وإنما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى ; ولهذا تركهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ، كما تقدم في سورة الأنبياء تفسير ذلك .
قوله هاهنا : (
فأقبلوا إليه يزفون ) : قال
مجاهد وغير واحد : أي يسرعون .
وهذه القصة هاهنا مختصرة ، وفي سورة الأنبياء مبسوطة ، فإنهم لما رجعوا ما عرفوا من أول وهلة من فعل ذلك حتى كشفوا واستعلموا ، فعرفوا أن
إبراهيم - عليه السلام - هو الذي فعل ذلك . فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعيبهم ، فقال : (
أتعبدون ما تنحتون ) ؟ ! أي : أتعبدون من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم ؟ ! (
والله خلقكم وما تعملون ) يحتمل أن تكون " ما " مصدرية ، فيكون تقدير الكلام : والله خلقكم وعملكم . ويحتمل أن تكون بمعنى " الذي " تقديره : والله خلقكم والذي تعملونه . وكلا القولين متلازم ، والأول أظهر ; رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب " أفعال العباد " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، عن
مروان بن معاوية ، عن
أبي مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن حراش ، عن
حذيفة مرفوعا قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501385إن الله يصنع كل صانع وصنعته " . وقرأ بعضهم : (
والله خلقكم وما تعملون )
فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر ، فقالوا : (
ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ) وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء ، ونجاه الله من النار وأظهره عليهم ، وأعلى حجته ونصرها ; ولهذا قال تعالى : (
فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين )