(
فلما أسلما وتله للجبين ( 103 )
وناديناه أن يا إبراهيم ( 104 )
قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ( 105 )
إن هذا لهو البلاء المبين ( 106 )
وفديناه بذبح عظيم ( 107 )
وتركنا عليه في الآخرين ( 108 )
سلام على إبراهيم ( 109 )
كذلك نجزي المحسنين ( 110 )
إنه من عبادنا المؤمنين ( 111 )
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( 112 )
وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ( 113 ) )
يقول تعالى مخبرا عن خليله
إبراهيم [ عليه السلام ] : إنه بعد ما نصره الله على قومه وأيس من
[ ص: 27 ] إيمانهم بعدما شاهدوا من الآيات العظيمة ، هاجر من بين أظهرهم ، وقال : (
إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين ) يعني : أولادا مطيعين عوضا من قومه وعشيرته الذين فارقهم . قال الله تعالى : (
فبشرناه بغلام حليم ) وهذا الغلام هو
إسماعيل - عليه السلام - فإنه أول ولد بشر به
إبراهيم - عليه السلام - وهو أكبر من
إسحاق باتفاق المسلمين
وأهل الكتاب ، بل في نص كتابهم أن
إسماعيل ولد
ولإبراهيم - عليه السلام - ست وثمانون سنة ، وولد
إسحاق وعمر
إبراهيم تسع وتسعون سنة . وعندهم أن الله تعالى أمر
إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده ، وفي نسخة : بكره ، فأقحموا هاهنا كذبا وبهتانا "
إسحاق " ، ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم ، وإنما أقحموا "
إسحاق " لأنه أبوهم ،
وإسماعيل أبو
العرب ، فحسدوهم ، فزادوا ذلك وحرفوا وحيدك ، بمعنى الذي ليس عندك غيره ، فإن
إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى جنب
مكة وهذا تأويل وتحريف باطل ، فإنه لا يقال : " وحيد " إلا لمن ليس له غيره ، وأيضا فإن أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد ، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو
إسحاق ، وحكي ذلك عن طائفة من السلف ، حتى نقل عن بعض الصحابة أيضا ، وليس ذلك في كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار
أهل الكتاب ، وأخذ ذلك مسلما من غير حجة . وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه
إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، ثم قال بعد ذلك : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) . ولما بشرت الملائكة
إبراهيم بإسحاق قالوا : (
إنا نبشرك بغلام عليم ) [ الحجر : 53 ] . وقال تعالى : (
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 71 ] ، أي : يولد له في حياتهما ولد يسمى
يعقوب ، فيكون من ذريته عقب ونسل . وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير ; لأن الله [ تعالى ] قد وعدهما بأنه سيعقب ، ويكون له نسل ، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرا ،
وإسماعيل وصف هاهنا بالحليم ; لأنه مناسب لهذا المقام .
وقوله : (
فلما بلغ معه السعي ) أي : كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه . وقد كان
إبراهيم - عليه السلام - يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد "
فاران " وينظر في أمرهما ، وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعا إلى هناك ، فالله أعلم .
وعن
ابن عباس ومجاهد وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني ،
وزيد بن أسلم ، وغيرهم : (
فلما بلغ معه السعي ) يعني : شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل ، (
فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير : رؤيا الأنبياء وحي ، ثم تلا هذه الآية : (
قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى )
وقد قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا
أبو عبد الملك الكرندي ، حدثنا
[ ص: 28 ] سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل بن يونس ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822739رؤيا الأنبياء في المنام وحي " ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه .
وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه ، وليختبر صبره وجلده وعزمه من صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه .
(
قال يا أبت افعل ما تؤمر ) أي : امض لما أمرك الله من ذبحي ، (
ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) أي : سأصبر وأحتسب ذلك عند الله - عز وجل - . وصدق ، صلوات الله وسلامه عليه ، فيما وعد ; ولهذا قال الله تعالى : (
واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) [ مريم : 54 ، 55 ] .
قال الله تعالى : (
فلما أسلما وتله للجبين ) أي : فلما تشهدا وذكرا الله تعالى
إبراهيم على الذبح والولد على شهادة الموت . وقيل : ( أسلما ) ، [ يعني ] : استسلما وانقادا ;
إبراهيم امتثل أمر الله ،
وإسماعيل طاعة الله وأبيه . قاله
مجاهد ،
وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق ، وغيرهم .
ومعنى (
وتله للجبين ) أي : صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ، ليكون أهون عليه ، قال
ابن عباس ،
ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والضحاك ،
وقتادة : (
وتله للجبين ) : أكبه على وجهه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
سريج ويونس قالا حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
أبي عاصم الغنوي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ، عن
ابن عباس أنه قال : لما أمر
إبراهيم بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي ، فسابقه فسبقه
إبراهيم ، ثم ذهب به جبريل إلى
جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند
الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ، وثم تله للجبين ، وعلى
إسماعيل قميص أبيض ، فقال له : يا أبت ، إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره ، فاخلعه حتى تكفنني فيه . فعالجه ليخلعه ، فنودي من خلفه : (
أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) ، فالتفت
إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين . قال
ابن عباس : لقد رأيتنا نتبع ذلك الضرب من الكباش .
وذكر تمام الحديث في " المناسك " بطوله . ثم رواه
أحمد بطوله عن
يونس ، عن
حماد بن سلمة ، عن
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، فذكر نحوه إلا أنه قال : "
إسحاق " . فعن
ابن عباس في تسمية الذبيح روايتان ، والأظهر عنه
إسماعيل ، لما سيأتي بيانه .
[ ص: 29 ]
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
الحسن بن دينار ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11937جعفر بن إياس ، عن
ابن عباس في قوله : (
وفديناه بذبح عظيم ) قال : خرج عليه كبش من الجنة . قد رعى قبل ذلك أربعين خريفا ، فأرسل
إبراهيم ابنه واتبع الكبش ، فأخرجه إلى
الجمرة الأولى ، فرماه بسبع حصيات فأفلته عندها ، فجاء
الجمرة الوسطى فأخرجه عندها ، فرماه بسبع حصيات ثم أفلته فأدركه عند
الجمرة الكبرى ، فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها . ثم أخذه فأتى به المنحر من
منى فذبحه ، فوالذي نفس
ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة قد حش ، يعني : يبس .
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
الزهري ، أخبرنا
القاسم قال : اجتمع
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وكعب ، فجعل
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل
كعب يحدث عن الكتب ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822740إن لكل نبي دعوة مستجابة ، وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . فقال له
كعب : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم . قال : فداك أبي وأمي - أو : فداه أبي وأمي - أفلا أخبرك عن
إبراهيم - عليه السلام - ؟ إنه لما أري ذبح ابنه
إسحاق قال الشيطان : إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا . فخرج
إبراهيم بابنه ليذبحه ، فذهب الشيطان فدخل على
سارة ، فقال : أين ذهب
إبراهيم بابنك ؟ قالت : غدا به لبعض حاجته . قال : لم يغد لحاجة ، وإنما ذهب به ليذبحه . قالت : ولم يذبحه ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قالت : فقد أحسن أن يطيع ربه . فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام : أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لبعض حاجته . قال : إنه لا يذهب بك لحاجة ، ولكنه يذهب بك ليذبحك . قال : ولم يذبحني ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قال : فوالله لئن كان الله أمره بذلك ليفعلن . قال : فيئس منه فلحق
بإبراهيم ، فقال : أين غدوت بابنك ؟ قال لحاجة . قال : فإنك لم تغد به لحاجة ، وإنما غدوت به لتذبحه قال : ولم أذبحه ؟ قال : تزعم أن ربك أمرك بذلك . قال : فوالله لئن كان الله أمرني بذلك لأفعلن . قال : فتركه ويئس أن يطاع .
وقد رواه
ابن جرير عن
يونس ، عن
ابن وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد ، عن
ابن شهاب ، أن
عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره ، أن
كعبا قال
nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة . . . فذكره بطوله ، وقال في آخره : وأوحى الله إلى
إسحاق أني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها . قال
إسحاق : اللهم ، إني أدعو أن تستجيب لي : أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين ، لا يشرك بك شيئا ، فأدخله
[ ص: 30 ] الجنة .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، حدثنا
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826006إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي ، وبين أن أختبئ شفاعتي ، فاختبأت شفاعتي ، ورجوت أن تكفر الجم لأمتي ، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي ، إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له : يا إسحاق ، سل تعطه . فقال : أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان ، اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة " .
هذا حديث غريب منكر .
nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث ، وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة ، وهي قوله : " إن الله تعالى لما فرج عن
إسحاق " إلى آخره ، والله أعلم . فهذا إن كان محفوظا فالأشبه أن السياق إنما هو عن "
إسماعيل " ، وإنما حرفوه
بإسحاق ; حسدا منهم كما تقدم ، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها
بمنى من أرض
مكة ، حيث كان
إسماعيل لا
إسحاق [ عليهما السلام ] ، فإنه إنما كان
ببلاد كنعان من أرض
الشام .
وقوله تعالى : (
وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا ) أي : قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره أنه أمر السكين على رقبته فلم تقطع شيئا ، بل حال بينها وبينه صفيحة من نحاس ونودي
إبراهيم - عليه السلام - عند ذلك : (
قد صدقت الرؤيا )
وقوله : (
إنا كذلك نجزي المحسنين ) أي : هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ، ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا ، كقوله تعالى : (
ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) [ الطلاق : 2 ، 3 ] .
وقد استدل بهذه الآية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل ، خلافا لطائفة من
المعتزلة ، والدلالة من هذه ظاهرة ، لأن الله تعالى شرع
لإبراهيم ذبح ولده ، ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء ، وإنما كان المقصود من شرعه أولا إثابة
الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك ; ولهذا قال تعالى : (
إن هذا لهو البلاء المبين ) أي : الاختبار الواضح الجلي ; حيث أمر بذبح ولده ، فسارع إلى ذلك مستسلما لأمر الله ، منقادا لطاعته ; ولهذا قال تعالى : (
وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] .
[ ص: 31 ]
وقوله : (
وفديناه بذبح عظيم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
جابر الجعفي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ، عن
علي ، رضي الله عنه : (
وفديناه بذبح عظيم ) قال : بكبش أبيض أعين أقرن ، قد ربط بسمرة - قال
أبو الطفيل وجدوه مربوطا بسمرة في
ثبير
وقال
الثوري أيضا ، عن
عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
يوسف بن يعقوب الصفار ، حدثنا
داود العطار ، عن
ابن خثيم ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : الصخرة التي
بمنى بأصل
ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها
إبراهيم فداء ابنه ، هبط عليه من
ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء ، فذبحه ، وهو الكبش الذي قربه ابن
آدم فتقبل منه ، فكان مخزونا حتى فدي به
إسحاق .
وروي أيضا عن
سعيد بن جبير أنه قال : كان الكبش يرتع في الجنة حتى تشقق عنه
ثبير ، وكان عليه عهن أحمر .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أنه كان اسم كبش
إبراهيم : جرير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير : ذبحه بالمقام . وقال
مجاهد : ذبحه
بمنى عند المنحر . وقال
هشيم ، عن
سيار ، عن
عكرمة ; أن
ابن عباس كان أفتى الذي جعل عليه نذرا أن ينحر نفسه ، فأمره بمائة من الإبل . ثم قال بعد ذلك : لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا ، فإن الله تعالى قال في كتابه : (
وفديناه بذبح عظيم ) والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فدي بكبش . وقال
الثوري ، عن رجل ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس في قوله : (
وفديناه بذبح عظيم ) قال : وعل .
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد ، عن
الحسن أنه كان يقول : ما فدي
إسماعيل إلا بتيس من الأروى ، أهبط عليه من
ثبير .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
سفيان ، حدثنا
منصور ، عن خاله
مسافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822741أخبرتني امرأة من بني سليم - ولدت عامة أهل دارنا - أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن طلحة - وقال مرة : إنها سألت عثمان : لم دعاك النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : قال : " إني كنت رأيت قرني الكبش ، حين دخلت البيت ، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما ، فخمرهما ، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي " . قال سفيان : لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت ، فاحترقا .
[ ص: 32 ]
وهذا دليل مستقل على أنه
إسماعيل - عليه السلام - فإن
قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدى به
إبراهيم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل ، إلى أن بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فصل في ذكر الآثار الواردة عن السلف في أن الذبيح من هو ؟ :
ذكر من قال : هو
إسحاق [ عليه السلام ] :
قال
حمزة الزيات ، عن
أبي ميسرة ، رحمه الله ، قال : قال
يوسف - عليه السلام - للملك في وجهه : ترغب أن تأكل معي ، وأنا - والله -
يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن
إسحاق ذبيح الله ، ابن
إبراهيم خليل الله .
وقال
الثوري ، عن
أبي سنان ، عن
ابن أبي الهذيل : إن
يوسف - عليه السلام - قال للملك كذلك أيضا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن
عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه قال : " قال
موسى : يا رب ، يقولون : يا إله
إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن
إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه . وإن
إسحاق جاد لي بالذبح ، وهو بغير ذلك أجود . وإن
يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن " .
وقال
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص قال : افتخر رجل عند
ابن مسعود فقال : أنا فلان بن فلان ، ابن الأشياخ الكرام . فقال
عبد الله : ذاك
يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله [ صلوات الله وسلامه عليهم ] .
وهذا صحيح إلى
ابن مسعود ، وكذا روى
عكرمة ، عن
ابن عباس أنه
إسحاق . وعن أبيه
العباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب مثل ذلك . وكذا قال
عكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير ،
وأبو ميسرة ،
وزيد بن أسلم ،
وعبد الله بن شقيق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
والقاسم بن أبي بزة ،
ومكحول ،
وعثمان بن حاضر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
والحسن ،
وقتادة ،
وأبو الهذيل ،
وابن سابط . وهو اختيار
ابن جرير . وتقدم روايته عن
كعب الأحبار أنه
إسحاق .
وهكذا روى
ابن إسحاق عن
عبد الله بن أبي بكر ، عن
الزهري ، عن
أبي سفيان بن العلاء ،
بن جارية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن
كعب الأحبار ، أنه قال : هو
إسحاق .
وهذه الأقوال - والله أعلم - كلها مأخوذة عن
كعب الأحبار ، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث
عمر ، رضي الله عنه عن كتبه ، فربما استمع له
عمر - رضي الله عنه - فترخص الناس في استماع ما عنده ، ونقلوا عنه غثها وسمينها ، وليس لهذه الأمة - والله أعلم - حاجة إلى حرف
[ ص: 33 ] واحد مما عنده . وقد حكى
البغوي هذا القول بأنه
إسحاق عن
عمر ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
والعباس ، ومن التابعين عن
كعب الأحبار ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وقتادة ،
ومسروق ،
وعكرمة ،
ومقاتل ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي - قال : وهو إحدى الروايتين عن
ابن عباس . وقد ورد في ذلك حديث - لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ، ولكن لم يصح سنده - قال
ابن جرير :
حدثنا
أبو كريب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن حباب ، عن
الحسن بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، عن
الحسن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره قال : هو
إسحاق .
ففي إسناده ضعيفان ، وهما
الحسن بن دينار البصري ، متروك .
nindex.php?page=showalam&ids=16621وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث . وقد رواه
ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن
مسلم بن إبراهيم ، عن
حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، به مرفوعا . . ثم قال : قد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة ، عن
الحسن ، عن
الأحنف ، عن
العباس قوله ، وهذا أشبه وأصح .
[ ذكر الآثار الواردة بأنه
إسماعيل - عليه السلام - وهو الصحيح المقطوع به ] .
قد تقدمت الرواية عن
ابن عباس أنه
إسحاق . قال
سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577وعامر الشعبي ،
ويوسف بن مهران ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وغير واحد ، عن
ابن عباس ، هو
إسماعيل - عليه السلام - .
وقال
ابن جرير : حدثني
يونس ، أخبرنا
ابن وهب ، أخبرني
عمرو بن قيس ، عن
عطاء بن أبي رباح عن
ابن عباس أنه قال : المفدى
إسماعيل - عليه السلام - وزعمت
اليهود أنه
إسحاق ، وكذبت
اليهود .
وقال
إسرائيل ، عن
ثور ، عن
مجاهد ، عن
ابن عمر قال : الذبيح
إسماعيل .
وقال
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : هو
إسماعيل . وكذا قال
يوسف بن مهران .
وقال
الشعبي : هو
إسماعيل - عليه السلام - وقد رأيت قرني الكبش في
الكعبة .
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
الحسن بن دينار ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أنه كان لا يشك في ذلك : أن الذي أمر بذبحه من ابني
إبراهيم إسماعيل .
قال
ابن إسحاق : وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي وهو يقول : إن الذي أمر الله
إبراهيم بذبحه
[ ص: 34 ] من ابنيه
إسماعيل . وإنا لنجد ذلك في كتاب الله ، وذلك أن الله حين فرغ من قصة المذبوح من ابني
إبراهيم قال : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) . يقول الله تعالى : (
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، يقول بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح
إسحاق وله فيه من [ الله ] الموعد بما وعده ، وما الذي أمر بذبحه إلا
إسماعيل .
وقال
ابن إسحاق ، عن
بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم ; أنه ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه
بالشام ، فقال له
عمر : إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما قلت . ثم أرسل إلى رجل كان عنده
بالشام ، كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنه من علمائهم ، فسأله
عمر بن عبد العزيز عن ذلك - قال
محمد بن كعب : وأنا عند
عمر بن عبد العزيز - فقال له
عمر : أي ابني
إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال :
إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن
يهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر
العرب ، على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ، ويزعمون أنه
إسحاق ، بكون
إسحاق أبوهم ، والله أعلم أيهما كان ، وكل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لله - عز وجل - .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : سألت أبي عن الذبيح ، من هو ؟
إسماعيل أو
إسحاق ؟ فقال :
إسماعيل . ذكره في كتاب الزهد .
وقال
ابن أبي حاتم : وسمعت أبي يقول : الصحيح أن الذبيح
إسماعيل - عليه السلام - . قال : وروي عن
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11871وأبي الطفيل ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والحسن ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11958وأبي جعفر محمد بن علي ،
وأبي صالح أنهم قالوا : الذبيح
إسماعيل .
وقال
البغوي في تفسيره : وإليه ذهب
عبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
والحسن البصري ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ،
والكلبي ، وهو رواية عن
ابن عباس ، وحكاه أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء .
وقد روى
ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال : حدثني
محمد بن عمار الرازي ، حدثنا
إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا
عمر بن عبد الرحيم الخطابي ، عن
عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد
عتبة بن أبي سفيان - عن أبيه : حدثني
عبد الله بن سعيد ، عن
الصنابحي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826007كنا عند معاوية بن [ ص: 35 ] أبي سفيان ، فذكروا الذبيح : إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال على الخبير سقطتم ، كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال : يا رسول الله ، عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له : يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان ؟ فقال : إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها عليه ، ليذبحن أحد ولده ، قال : فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا : افد ابنك بمائة من الإبل . ففداه بمائة من الإبل ، وإسماعيل الثاني .
وهذا حديث غريب جدا . وقد رواه
الأموي في مغازيه : حدثنا بعض أصحابنا ، أخبرنا
إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا
عمر بن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا
عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد
عتبة بن أبي سفيان - حدثنا
عبد الله بن سعيد ، حدثنا
الصنابحي قال : حضرنا مجلس
معاوية ، فتذاكر القوم
إسماعيل وإسحاق ، وذكره . كذا كتبته من نسخة مغلوطة .
وإنما عول
ابن جرير في اختياره أن الذبيح
إسحاق على قوله تعالى : (
فبشرناه بغلام حليم ) ، فجعل هذه البشارة هي البشارة
بإسحاق في قوله : (
وبشروه بغلام عليم ) [ الذاريات : 28 ] . وأجاب عن البشارة
بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي ، أي العمل . ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع
يعقوب أيضا . قال : وأما القرنان اللذان كانا معلقين
بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من
بلاد الشام . قال : وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح
إسحاق هناك . هذا ما اعتمد عليه في تفسيره ، وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم ، بل هو بعيد جدا ، والذي استدل به
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي على أنه
إسماعيل أثبت وأصح وأقوى ، والله أعلم .
وقوله : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) ، لما تقدمت البشارة بالذبيح - وهو
إسماعيل - عطف بذكر البشارة بأخيه
إسحاق ، وقد ذكرت في سورتي هود " و " الحجر " .
وقوله : ( نبيا ) حال مقدرة ، أي : سيصير منه نبي من الصالحين .
وقال
ابن جرير : حدثني
يعقوب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
داود ، عن
عكرمة قال : قال
ابن عباس ، رضي الله عنهما : الذبيح
إسحاق . قال : وقوله : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) قال : بشر بنبوته . قال : وقوله : (
ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) [ مريم : 53 ] قال : كان
هارون أكبر من
موسى ، ولكن أراد : وهب له نبوته .
وحدثنا
ابن عبد الأعلى ، حدثنا
المعتمر بن سليمان قال : سمعت
داود يحدث ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في هذه الآية : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) قال : إنما بشر به نبيا حين فداه الله من الذبح ، ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
داود ، عن
عكرمة ،
[ ص: 36 ] عن
ابن عباس : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) قال : بشر به حين ولد ، وحين نبئ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة في قوله : (
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) قال : بعد ما كان من أمره ، لما جاد لله بنفسه ، وقال الله : (
وباركنا عليه وعلى إسحاق )
وقوله : (
وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) كقوله تعالى : (
قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) [ هود : 48 ] .