(
فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ( 149 )
أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ( 150 )
ألا إنهم من إفكهم ليقولون ( 151 )
ولد الله وإنهم لكاذبون ( 152 )
أصطفى البنات على البنين ( 153 ) )
(
ما لكم كيف تحكمون ( 154 )
أفلا تذكرون ( 155 )
أم لكم سلطان مبين ( 156 )
فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ( 157 )
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( 158 )
سبحان الله عما يصفون ( 159 )
إلا عباد الله المخلصين ( 160 ) )
يقول تعالى منكرا على هؤلاء المشركين في جعلهم لله البنات ، سبحانه ، ولهم ما يشتهون ، أي : من الذكور ، أي : يودون لأنفسهم الجيد . (
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) [ النحل : 58 ] أي : يسوءه ذلك ، ولا يختار لنفسه إلا البنين . يقول تعالى : فكيف نسبوا إلى الله
[ ص: 42 ] [ تعالى ] القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم ؟ ولهذا قال : ( فاستفتهم ) أي : سلهم على سبيل الإنكار عليهم : (
ألربك البنات ولهم البنون ) كقوله : (
ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذا قسمة ضيزى ) [ النجم : 21 ، 22 ] .
وقوله : (
أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ) أي : كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم ؟ كقوله : (
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ) [ الزخرف : 19 ] أي : يسألون عن ذلك يوم القيامة .
وقوله : (
ألا إنهم من إفكهم ) أي : من كذبهم (
ليقولون . ولد الله ) أي : صدر منه الولد (
وإنهم لكاذبون ) فذكر الله عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب ، فأولا جعلوهم بنات الله ، فجعلوا لله ولدا . وجعلوا ذلك الولد أنثى ، ثم عبدوهم من دون الله . وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم .
ثم قال منكرا عليهم : (
أصطفى البنات على البنين ) أي : أي شيء يحمله عن أن يختار البنات دون البنين ؟ كقوله : (
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ) [ الإسراء : 40 ] ; ولهذا قال : (
ما لكم كيف تحكمون ) أي : ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون ؟ .
(
أفلا تذكرون . أم لكم سلطان مبين ) أي : حجة على ما تقولونه .
(
فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ) أي : هاتوا برهانا على ذلك يكون مستندا إلى كتاب منزل من السماء عن الله : أنه اتخذ ما تقولونه ، فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل ، بل لا يجوزه العقل بالكلية .
وقوله : (
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قال
مجاهد : قال المشركون : الملائكة بنات الله . فسأل
أبو بكر ، رضي الله عنه : فمن أمهاتهن ؟ قالوا : بنات سروات الجن . وكذا قال
قتادة ،
وابن زيد ، ولهذا قال تعالى : (
ولقد علمت الجنة ) أي : الذين نسبوا إليهم ذلك : (
إنهم لمحضرون ) أي : إن الذين قالوا ذلك لمحضرون في العذاب يوم الحساب لكذبهم في ذلك وافترائهم ، وقولهم الباطل بلا علم .
وقال
العوفي : عن
ابن عباس في قوله : (
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) قال : زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان . حكاه
ابن جرير .
وقوله : (
سبحان الله عما يصفون ) أي : تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد ، وعما يصفه به الظالمون الملحدون علوا كبيرا .
وقوله : (
إلا عباد الله المخلصين ) استثناء منقطع ، وهو من مثبت ، إلا أن يكون الضمير في قوله : ( عما يصفون ) عائدا إلى جميع الناس ثم استثنى منهم المخلصين ، وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي ومرسل . وجعل
ابن جرير هذا الاستثناء من قوله : (
إنهم لمحضرون .
إلا عباد الله المخلصين ) ، وفي هذا الذي قاله نظر .