[ ص: 48 ] [ ص: 49 ] [ ص: 50 ] [ ص: 51 ] تفسير سورة ص [ وهي ] مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
ص والقرآن ذي الذكر ( 1 )
بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( 2 )
كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ( 3 ) )
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة " البقرة " بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقوله : (
والقرآن ذي الذكر ) أي : والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد .
قال
الضحاك في قوله : ( ذي الذكر ) كقوله : (
لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) ] الأنبياء : 10 [ أي : تذكيركم . وكذا قال
قتادة واختاره
ابن جرير .
وقال
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12428وإسماعيل بن أبي خالد ،
وابن عيينة nindex.php?page=showalam&ids=11983وأبو حصين nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ) ذي الذكر ) ذي الشرف أي : ذي الشأن والمكانة .
ولا منافاة بين القولين ، فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير والإعذار والإنذار .
واختلفوا في جواب هذا القسم فقال بعضهم : هو قوله : (
إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ) ] ص : 14 [ . وقيل قوله : (
إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) ] ص : 64 [ حكاهما
ابن جرير وهذا الثاني فيه بعد كبير ، وضعفه
ابن جرير .
وقال
قتادة : جوابه : (
بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) واختاره
ابن جرير .
وقيل : جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها ، والله أعلم .
ثم حكى
ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال : جوابه " ص " بمعنى : صدق حق والقرآن ذي الذكر .
وقوله : (
بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) أي : إن في هذا القرآن لذكرا لمن يتذكر ، وعبرة لمن يعتبر . وإنما لم ينتفع به الكافرون ؛ لأنهم ) في عزة ) أي : استكبار عنه وحمية ) وشقاق ) أي : مخالفة له ومعاندة ومفارقة .
ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من
[ ص: 52 ] السماء فقال : (
كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) أي : من أمة مكذبة ، ( فنادوا ) أي : حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله . وليس ذلك بمجد عنهم شيئا . كما قال تعالى : (
فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ) ] الأنبياء : 12 [ أي : يهربون ، (
لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ) ] الأنبياء : 13 [
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي : حدثنا
شعبة عن
أبي إسحاق عن
التميمي قال : سألت
ابن عباس عن قول الله : (
فنادوا ولات حين مناص ) قال : ليس بحين نداء ، ولا نزو ولا فرار
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : ليس بحين مغاث .
وقال
شبيب بن بشر عن
عكرمة عن
ابن عباس : نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد :
تذكر ليلى لات حين تذكر
.
وقال
محمد بن كعب في قوله : (
فنادوا ولات حين مناص ) يقول : نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم ، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم .
وقال
قتادة : لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء .
وقال
مجاهد : (
فنادوا ولات حين مناص ) ليس بحين فرار ولا إجابة .
وقد روي نحو هذا عن
عكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة .
وعن
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : (
ولات حين مناص ) ولا نداء في غير حين النداء .
وهذه الكلمة وهي " لات " هي " لا " التي للنفي ، زيدت معها " التاء " كما تزاد في " ثم " فيقولون : " ثمت " ، و " رب " فيقولون : " ربت " . وهي مفصولة والوقف عليها . ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره [
ابن جرير ] أنها متصلة بحين : " ولا تحين مناص " . والمشهور الأول . ثم قرأ الجمهور بنصب " حين " تقديره : وليس الحين حين مناص . ومنهم من جوز النصب بها ، وأنشد :
تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا
ومنهم من جوز الجر بها ، وأنشد :
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء
[ ص: 53 ]
وأنشد بعضهم أيضا :
ولات ساعة مندم
بخفض الساعة ، وأهل اللغة يقولون : النوص : التأخر ، والبوص : التقدم . ولهذا قال تعالى : (
ولات حين مناص ) أي : ليس الحين حين فرار ولا ذهاب .