[ ص: 96 ] (
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ( 27 )
قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ( 28 )
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 29 )
إنك ميت وإنهم ميتون ( 30 )
ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( 31 ) ) .
يقول تعالى : (
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) أي : بينا للناس فيه بضرب الأمثال ، (
لعلهم يتذكرون ) ، فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان ، كما قال تعالى : (
ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) [ الروم : 28 ] أي : تعلمونه من أنفسكم ، وقال : (
وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] .
وقوله : (
قرءانا عربيا غير ذي عوج ) أي : هو قرآن بلسان عربي مبين ، لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس ، بل هو بيان ووضوح وبرهان ، وإنما جعله الله [ عز وجل ] كذلك ، وأنزله بذلك (
لعلهم يتقون ) أي : يحذرون ما فيه من الوعيد ، ويعملون بما فيه من الوعد .
ثم قال : (
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ) أي : يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم ، (
ورجلا سلما لرجل ) أي : خالصا لرجل ، لا يملكه أحد غيره ، (
هل يستويان مثلا ) أي : لا يستوي هذا وهذا . كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله ، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له . فأين هذا من هذا ؟
قال
ابن عباس ،
ومجاهد ، وغير واحد : هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص ، ولما كان هذا المثل ظاهرا بينا جليا ، قال : ( الحمد لله ) أي : على إقامة الحجة عليهم ، (
بل أكثرهم لا يعلمون ) أي : فلهذا يشركون بالله .
وقوله : (
إنك ميت وإنهم ميتون ) هذه الآية من الآيات التي استشهد بها
الصديق [ رضي الله عنه ] عند موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى تحقق الناس موته ، مع قوله : (
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ] .
ومعنى هذه الآية : ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله في الدار الآخرة ، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله - عز وجل - فيفصل بينكم ، ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم ، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين .
ثم إن هذه الآية - وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين ، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة - فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا ، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة .
قال
ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا
محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا
سفيان ، عن
محمد بن عمرو ، عن
ابن حاطب - يعني يحيى بن عبد الرحمن - عن
ابن الزبير ، عن
الزبير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822781لما نزلت : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير : يا رسول الله ، أتكرر علينا الخصومة ؟ قال : " نعم " . قال : إن الأمر إذا لشديد .
وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
سفيان ، وعنده زيادة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822782ولما نزلت : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) [ ص: 97 ] [ التكاثر : 8 ] قال الزبير : أي رسول الله ، أي نعيم نسأل عنه ؟ وإنما - يعني : هما الأسودان : التمر والماء - قال : " أما إن ذلك سيكون " .
وقد روى هذه الزيادة
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من حديث
سفيان ، به . وقال
الترمذي : حسن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أيضا : حدثنا
ابن نمير حدثنا
محمد - يعني ابن عمرو - عن
يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن
عبد الله بن الزبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822783لما نزلت هذه السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير : أي رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ليكررن عليكم ، حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " . قال الزبير : والله إن الأمر لشديد .
ورواه
الترمذي من حديث
محمد بن عمرو به وقال : حسن صحيح .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
قتيبة بن سعيد ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
أبي عشانة ، عن
عقبة بن عامر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822784قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول الخصمين يوم القيامة جاران " . تفرد به
أحمد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
حسن بن موسى ، حدثنا
ابن لهيعة ، حدثنا
دراج عن
أبي الهيثم ، عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822785والذي نفسي بيده ، إنه ليختصم ، حتى الشاتان فيما انتطحتا " تفرد به
أحمد .
وفي المسند عن
أبي ذر ، رضي الله عنه [ أنه ] قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826020رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاتين ينتطحان ، فقال : " أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذر ؟ " قلت : لا . قال : " لكن الله يدري وسيحكم بينهما " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا
سهل بن بحر ، حدثنا
حيان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا
ثابت عن
أنس [ رضي الله عنه ] ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826021يجاء بالإمام الخائن يوم القيامة ، فتخاصمه الرعية فيفلجون عليه ، فيقال له : سد ركنا من أركان جهنم " .
ثم قال :
الأغلب بن تميم ليس بالحافظ .
[ ص: 98 ]
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، رضي الله عنهما (
ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهدي الضال ، والضعيف المستكبر . .
وقد روى
ابن منده في كتاب " الروح " ، عن
ابن عباس أنه قال :
يختصم الناس يوم القيامة ، حتى تختصم الروح مع الجسد ، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت . ويقول الجسد للروح : أنت أمرت ، وأنت سولت . فيبعث الله ملكا يفصل بينهما ، فيقول [ لهما ] إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير ، دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هاهنا ثمارا ، ولكن لا أصل إليها . فقال له الضرير : اركبني فتناولها ، فركبه فتناولها ، فأيهما المعتدي ؟ فيقولان : كلاهما . فيقول لهما الملك . فإنكما قد حكمتما على أنفسكما . يعني : أن الجسد للروح كالمطية ، وهو راكبه .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
جعفر بن أحمد بن عوسجة ، حدثنا
ضرار ، حدثنا
أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة ، حدثنا
القمي - يعني يعقوب بن عبد الله - عن
جعفر بن المغيرة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عمر [ رضي الله عنهما ] قال : نزلت هذه الآية ، وما نعلم في أي شيء نزلت : (
ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) [ قال ] قلنا : من نخاصم ؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة ، فمن نخاصم ؟ حتى وقعت الفتنة فقال
ابن عمر : هذا الذي وعدنا ربنا - عز وجل - نختصم فيه .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
محمد بن عامر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17155منصور بن سلمة ، به .
وقال
أبو العالية [ في قوله ] (
ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال : يعني أهل القبلة .
وقال
ابن زيد : يعني أهل الإسلام وأهل الكفر .
وقد قدمنا أن الصحيح العموم ، والله أعلم .