(
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ( 23 )
إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ( 24 )
فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال ( 25 ) )
(
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ( 26 )
وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ( 27 ) )
[ ص: 139 ]
يقول تعالى مسليا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب من كذبه من قومه ، ومبشرا له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والآخرة ، كما جرى
لموسى بن عمران ، فإن الله تعالى أرسله بالآيات البينات ، والدلائل الواضحات ; ولهذا قال : (
بآياتنا وسلطان مبين ) والسلطان هو : الحجة والبرهان .
( إلى فرعون ) هو : ملك القبط بالديار المصرية ، ( وهامان ) وهو : وزيره في مملكته ) وقارون ) وكان أكثر الناس في زمانه مالا وتجارة (
فقالوا ساحر كذاب ) أي : كذبوه وجعلوه ساحرا ممخرقا مموها كذابا في أن الله أرسله . وهذه كقوله [ تعالى ] : (
كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) [ الذاريات 52 ، 53 ] .
(
فلما جاءهم بالحق من عندنا ) أي : بالبرهان القاطع الدال على أن الله تعالى أرسله إليهم ، (
قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ) وهذا أمر ثان من
فرعون بقتل ذكور
بني إسرائيل . أما الأول : فكان لأجل الاحتراز من وجود
موسى ، أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم ، أو لمجموع الأمرين . وأما الأمر الثاني : فللعلة الثانية ، لإهانة هذا الشعب ، ولكي يتشاءموا
بموسى - عليه السلام - ; ولهذا قالوا : (
أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) [ الأعراف : 129 ] .
قال
قتادة : هذا أمر بعد أمر .
قال الله تعالى : (
وما كيد الكافرين إلا في ضلال ) أي : وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد
بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم ، إلا ذاهب وهالك في ضلال .
(
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) وهذا عزم من
فرعون - لعنه الله - على قتل
موسى - عليه السلام - أي : قال لقومه : دعوني حتى أقتل لكم هذا ، (
وليدع ربه ) أي : لا أبالي منه . وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد .
وقوله - قبحه الله - : (
إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) يعني :
موسى ، يخشى
فرعون أن يضل
موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم . وهذا كما يقال في المثل : " صار
فرعون مذكرا " يعني : واعظا ، يشفق على الناس من
موسى - عليه السلام - .
وقرأ الأكثرون : " أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد " وقرأ آخرون : (
أو أن يظهر في الأرض الفساد ) وقرأ بعضهم : " يظهر في الأرض الفساد " بالضم .
وقال
موسى : (
إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ) أي : لما بلغه قول
فرعون : (
ذروني أقتل موسى ) قال
موسى : استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله ; ولهذا قال : (
إني عذت بربي وربكم ) أيها المخاطبون ، (
من كل متكبر ) أي : عن الحق ، مجرم ، (
لا يؤمن بيوم الحساب ) ;
[ ص: 140 ] ولهذا جاء في الحديث عن
أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قوما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=822839اللهم ، إنا نعوذ بك من شرورهم ، وندرأ بك في نحورهم " .