(
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( 82 )
فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( 83 )
فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( 84 )
فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ( 85 ) )
يخبر تعالى عن
الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر ، وماذا حل بهم من العذاب الشديد ، مع
[ ص: 160 ] شدة قواهم ، وما أثروه في الأرض ، وجمعوه من الأموال ، فما أغنى عنهم ذلك شيئا ، ولا رد عنهم ذرة من بأس الله ; وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات ، والحجج القاطعات ، والبراهين الدامغات ، لم يلتفتوا إليهم ، ولا أقبلوا عليهم ، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل .
قال
مجاهد : قالوا : نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم ، فأتاهم من بأس الله ما لا قبل لهم به .
(
وحاق بهم ) أي : أحاط بهم (
ما كانوا به يستهزئون ) أي : يكذبون ويستبعدون وقوعه .
(
فلما رأوا بأسنا ) أي : عاينوا وقوع العذاب بهم ، (
قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ) أي : وحدوا الله وكفروا بالطاغوت ، ولكن حيث لا تقال العثرات ، ولا تنفع المعذرة . وهذا كما قال
فرعون حين أدركه الغرق : (
آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) [ يونس : 90 ] ، قال الله [ تبارك و ] تعالى : (
آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) [ يونس : 91 ] أي : فلم يقبل الله منه ; لأنه قد استجاب لنبيه موسى دعاءه عليه حين قال : (
واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 88 ] . و [ هكذا ] هاهنا قال : (
فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده ) أي : هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب : أنه لا يقبل ; ولهذا جاء في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821043إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أي : فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة ، وعاين الملك ، فلا توبة حينئذ ; ولهذا قال : (
وخسر هنالك الكافرون )
آخر تفسير " سورة غافر ، ولله الحمد والمنة .